وهو أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر المقتدر، يقولون: إنهم حينما أرادوا أن يبايعوا المتقى بالله امتنع، وقال: لن أرضى دون إذن عمى القاهر، وقدم إلى القاهر وقال:" يا عم، إنك ترى أنهم يلقون هذا الأمر على عاتقى قهرا، فإذا لم تخلع نفسك. وتسلمنى بطواعية ورضا فلن أتولى مقاليد الأمور، وإذا كنت سأقوم بهذا العمل فدون أمرك لن أقوم به" وحينما سمع القاهر هذا سر من المتقى، واحتضنه، وقال:" لقد ظلمنى الراضى، والآن قد سررت بمقولتك هذه، وسأذكر فى كل مجلس: أننى خلعت نفسى، وخلعتك، ثم أسلمك" وحينما خرج من عنده بايعوا المتقى، وأرسل القاهر إلى المتقى مائة ألف درهم، وعرفه بالدفائن التى لا يعلمها إنسان. ويقولون: إن راتب المطبخ فى أيام المقتدر والقاهر كان كل يوم أربعمائة دينار، وفى أيام الراضى كان ثلاثمائة دينار، أما فى أيام المتقى فقد جعلها بجكم ماكانى مائتى دينار. وفى عهد المتقى تفشى الوباء فى بغداد، ومات كثير من الناس، ووصل الحد إلى أن عجز الناس عن تكفين الموتى، فأمر المتقى فدفعوا كل يوم مائتى دينار ثمنا لكفن الموتى، وفى الوقت الذى مات فيه الراضى كان بجكم ماكانى فى واسط فولوا المتقى الخلافة بأمره، وذات يوم خرج بجكم للصيد، فتقدم بعض الأكراد إليه وقتلوه خطأ، ولم يخطر على ذهنه أن إنسانا لا يعرفه، وكان هذا فى عهد المتقى، وقد وجدوا أموالا عظيمة فى خزينة بجكم فى بغداد، ويقولون: كان بها صرتان ألف ألف دينار ، وست صرر ألف ألف درهم، غير الجواهر والملابس والطرائف، فأمر المتقى أن يحملوها كلها إلى بيت المال. وحينما انصرمت ثلاثة أعوام من خلافة المتقى مات الأمير سعيد نصر بن أحمد، فأرسل المتقى عهد ولاية خراسان إلى أبى محمد نوح بن نصر فى شعبان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وحينما مضت خمس سنوات من خلافته سملوا عينيه، وأسقطوه عن الخلافة.
المستكفى بالله
هو أبو القاسم عبد الله بن على المكتفى، وقد ظل فى الخلافة ستة عشر عاما ثم سملوا عينيه وخلعوه؛ فقد أرسل توزون 60 - وكانوا يلقبونه بأمير الأمراء- نفرا من عنده سملوا عينى المكتفى حتى كف بصره وخلعوه، وقد مات وهو على هذا النحو، وحينما سمع أبو الحسين أحمد بن بويه هذا الخبر قدم من الأهواز إلى بغداد وأبعد الترك عنها فاستعانوا بأبى محمد الحسن بن أبى الهيجاء 61 فقدم الحسن معهم إلى بغداد، وحاربوا أبا الحسين أحمد بن بويه ودامت الحرب أربعة أشهر، وهزم ابن الحمدانى والترك ورجعوا إلى الموصل، واستولى أبو الحسين بن بويه على بغداد وقام بأعمال المستكفى وأرسل العاملين إلى كل مكان.
صفحة ١٤٣