وكان محمد الأمين مشغولا بالطرب فى بغداد، وقد ترك كل أعمال الملك للفضل ابن الربيع، وكانت الأيام تمضى وتمر ولا يراه أحد (لانشغاله) بالسكر واللهو. وحينما مضت مدة من الزمن منع أخاه المؤتمن من ولاية جزيرة المغرب التى كان أبوه قد أعطاها له، وأتى بالمؤتمن إلى بغداد، وحينما سمع المأمون هذا الخبر أخذ حذره، وأفسد الفضل بن الربيع قلب محمد الأمين على المأمون فأبعده عن ولاية العهد، وعزم الأمين على أن يجعل ابنه وليا للعهد وأن يخلع المأمون، واتخذ الفضل بن الربيع عيسى ابن ماهان إلى جانبه، وظل الاثنان يوغران صدر الأمين حتى تغير قلبه فبعث الرسل وكتب رسالة إلى المأمون: (أن اخلع نفسك، فقد بايعت ولدى) فلم يجب المأمون. ولما وصل الخبر إلى الأمين أرسل على بن عيسى على رأس خمسين ألف فارس للحرب، وأرسل رسولا إلى مكة ليحضر المنشور الذى كان قد كتبه الرشيد، ومزقه. وحينما سمع المأمون بخبر قدوم على بن عيسى فكر مع الفضل بن سهل فيمن يرسله من القادة لحرب على بن عيسى.
قال دوبان المنجم العجمى 15: إن الذى يجب أن يرسل يكون أعور العين، واسمه من أربعة أحرف، وعلى هذا النحو كان طاهر بن الحسين، فاستدعاه وقال: خذ كل ما تطلبه من الجند. فقال طاهر: أريد أربعة آلاف ولا أريد أكثر من هذا، ثم اختار الرجال. وخرج من مرو، وحينما وصل إلى الرى- وكان على بن عيسى قد وصل أيضا- اقتتلا بين قسطانة ومشكوى 16، وطالت الحرب، وقتلوا على بن عيسى، وحملوا رأسه وأرسلوها إلى المأمون. ثم أرسل الأمين عبد الرحمن بن جلبة على رأس عشرين ألف رجل، وحينما وصلوا إلى حلوان 17 كان طاهر قد وصل إليها، ودارت رحى المعركة، وهزم عبد الرحمن ودخل فى قلعة همدان، وظل شهرين محاصرا. وأخيرا طلب الأمان وخرج، ثم قدم عبد الله بن محمد الحرشى لمدد عبد الرحمن مع ألفى فارس، واحتال عبد الرحمن على طاهر وعرض عليه رسالة وقال:" ضمهم إلى عسكرك ليكونوا جندك وعونك".
صفحة ١٢٩