4. الجبر: توجد قناعة تامة في أعماق عقل كل مسلم متدين ذي ثقافة دينية أولية بأن الأمور المستقبلة قد رسمت وحسمت. وليس للاختيار الإنساني معنى سوى أننا لا نعلم ذلك المستقبل. هذا المعنى للاختيار غير معقول، ويربك التفكير المنطقي بشكل كبير. ويتحسر المرء لما ينظر إلى الجهود الكبيرة التي بذلها عباقرة من الفرق الكلامية في إضفاء معقولية على هذا المعنى. إضافة إلى ذلك فإن هذا الأمر يضعف الفاعلية بشكل كبير. فالإنسان يتحرك من خلال أمرين: رغبة في خلق مستقبل يرسمه هو لنفسه. أو انفعال من واقع يسعى لأن يهدد وجوده أو مصالحه بنحو من الأنحاء. فالجبر قضى على الأول بشكل كبير، ولكنه لم يقض على الثاني لسبب بسيط، وهو أن حاجة الإنسان للحياة أقوى من تلك الفكرة. فحين يهدد الإنسان فإنه ينفعل، ويتحرك وفق ذلك الانفعال إلى أن يحقق الأمان له، ثم تضعف العزيمة لديه بقدر ما ترسخت عقيدة الجبر فيه. الأثر الآخر الخطير من آثار هذه الفكرة كما هي شائعة، هو رفع المسؤولية التامة عن الفرد. فالعقيدة هذه تشرك الله مع الإنسان في كل ما يحصل له من أمور غير مرغوبة. في حين أن المفروض أن المسؤولية توقع حصرا على الإنسان بحيث تخلق فيه مرارة الفشل والتي هي دافع هام للتطور والتحسن في الأداء. والجبر له صور متعددة ولكنها جميعا قد تأسست على فكرة واحدة هي: (أن الله تعالى يخلق جميع أفعال عباده) بمعنى أن كل فكرة نحركها في عقولنا وكل عزم نعزم عليه وكل قصد وكل حركة وكل فعل نقوم به... إلخ فإن الله تعالى هو الذي يخلقها فينا.
صفحة ٣٦