لاحظ إن الزرقا بتمشي ببطء، وكون أربعة أو خمسة يعيوا ويموتوا في الشهر مسألة بسيطة، الناس عندنا على قفا مين يشيل والعدد في اللمون، البني آدم عندنا رخيص يا شرف الدين، رخيص لأنه موجود ومتوفر وزيادة عن اللازم، زي قطع الغيار الموجودة في السوق في أي وقت وبأي تمن، لما تخسر قطعة غيار من دول ترميها وتشتري غيرها؛ لأن تمن الجديدة أرخص من تصليح القديمة، المسألة في كل حتة في العالم بتتحسب بالشكل ده، هو ده الحساب المنطقي في كل الأسواق العالمية، العرض والطلب، المكسب والخسارة.
د. شرف الدين :
الدكتور فهيم تفكيره مختلف يا توفيق؛ د. فهيم عمره ما حسب المسائل بالشكل ده، طول عمره يحترم الإنسان وعمره ما استرخصه حتى وهو عيان أو غلبان، لسه فاكر ازاي كان بيغطي العيان لما يكشف عليه قدامنا واحنا طلبة، لسه فاكر ازاي كان بيخلي تلاتة بس منا يكشفوا على العيان عشان ما يتعبش. غيره من الأساتذة كانوا بيعملوا إيه؟ مش فاكر الأستاذ اللي كان يسيب خمسين طالب يضغطوا بالسماعات على قلب الطفل الصغير لغاية ما تحفر السماعات على صدره حفرة مدورة غويطة وحمرا؟ مش فاكر الأستاذ اللي ضرب العيان الشاب قلم على وشه لأنه رفض يقلع هدومه كلها قدام الطلبة والطالبات؟ مش فاكر الأستاذ اللي كان يعري العيانة قصادنا كلنا في عز البرد وخمسين واحد مننا يفعص بصوابعه في جسمها؟ الدكتور فهيم ما كانش بيعمل كده، عمره ما عمل كده، ولولا الدكتور فهيم أنا كنت كرهت الكلية وسبت الطب لكن هو اللي خلاني أكمل.
د. توفيق :
يا سلام على السذاجة والبراءة! لولا إنك كنت زميلي في الكلية ولولا إني عارف مية المية إنك اتخرجت معايا من الطب، لا يمكن بتفكيرك ده أقول عليك دكتور. انت دخلت الطب ليه يا ابني؟ اللي زيك دول ما ينفعوش في الطب، أحسن لك تروح تكتب روايات أو شعر أو حاجات كده من بتاعة الخيال والعواطف؛ الطب علم، والعلم واحد + واحد = اتنين، اتنين بالظبط، لا يمكن يكونوا تلاتة ولا يمكن يكونوا واحد ونص، اتنين بالظبط، ده علم الحساب، الدكتور فهيم راجل علمي وشاطر في الحساب ولولا إنه شاطر في الحساب ما كانش نجح في عالم بيحسب ليل نهار، ما كانش نجح ووصل في وسط ناس بيجروا ويتنافسوا والأشطر يكسب. وطبعا مفيش مانع من شوية عواطف كده زي البهارات تتحط من فوق وما تكلفش حاجة، زي إنك تغطي عيان غلبان عشان ما يبردش، أو ما تحطش رجلك على سرير العيان، حاجات كده ظريفة وإنسانية ترضي ضمير الواحد وتخليه يحس بالسعادة، زي ما تدي قرش لشحات وانت ماشي في السكة، صدقة حلوة تخلي أمثالك من السذج يبصوله بإعجاب وحب. إنما عند الجد، لما الكرسي اللي قاعد عليه يهتز، لما رزقه ورزق عياله يبقى مهدد بالقطع، المسألة تبقى عاوزة تفكير وعاوزة عقل وعلم وحساب، حساب دقيق جدا جدا، واحد + واحد = اتنين، اتنين بالظبط، لا يمكن يكونوا تلاتة ولا يمكن يكونوا واحد ونص. وفي الحالة دي مفيش حاجة اسمها عواطف، مفيش حاجة اسمها إنسانية، مفيش زرقاء. العواطف هنا اسمها سذاجة، رعونة. والإنسانية هنا طيش، جنون. إنما العقل، يا سلام على عقل الدكتور فهيم فهمي؛ أحسن واحد يعقل في الحالة دي. (د. توفيق يضحك بسخرية.)
د. شرف الدين :
انت طول عمرك كده يا توفيق، ما تفرقشي بين الإنسان الكويس والوحش، كل الناس عندك وحشين، كل الناس عندك يضعفوا قصاد الفلوس والدرجات والكراسي. أنا معاك فيه ناس كتيرة كده، لكن الدكتور فهيم غير دول مش ممكن أنخدع فيه 15 سنة، مش ممكن. انت دخلت عيادته؟ لو دخلت عيادته تلاحظ إنه مش معلق يافظة الأسعار زي ما الدكاترة بيعملوا؛ ده بقرش وده بقرشين. عمره ما تاجر بالطب، عمره ما أخد فلوس من عيان غلبان مش قادر يدفع. أظن يعني كل الناس عارفة عنه الحكاية دي.
د. توفيق :
ما هي برضه ضمن العواطف اللي تنفع أكتر ما تضر؛ على السمعة الحلوة دي عيادته مليانة كل ليلة زي الرز واللي يقدر يدفع أكتر من اللي ما يقدرشي يدفع. دول ناس بحورهم غويطة يا شرف الدين، ناس يعرفوا يحسبوا كويس، كل حاجة عندهم لها تمن ولازم تجيب تمنها حتى ولو كانت عاطفة كده، عابرة.
شرف الدين :
صفحة غير معروفة