وقد بدأ ابن عابدين طلبَهُ للعلم بحفظِ كتاب الله العزيز على أهله من علماء القراءات، وكان السبب في ذلك أنه كان يجلس في محلِّ والده ليتعلَّمَ التجارة، فجلس مرةً يقرأُ القرآن فمرَّ به رجلٌ لا يعرفه فسمِعَهُ يقرأ، ولم يكن بعدُ قد تعلَّمَ التجويد أو جالَسَ أحدًا من أهل العلم، فزجرَهُ وأنكَرَ قراءته وقال له: «لا يجوز لكَ أنْ تقرأ هذه القراءة؛ لأن هذا المحل محل للتجارة والناس لا يستمعون قراءتك فيرتكبون الإثم بسببك، وأنت أيضًا آثم، كما أنَّ قراءتك ملحونة» وأمرَهُ بالتعلُّمِ، فسأل عن أفضلِ مَن يُعلِّمُ القرآن فدلَّه بعضُهم على الشيخ محمد سعيد الحموي شيخ القُرَّاء، فبدأ القراءة عليه، فقرأ القرآن مجودًا وحفظ المتون، وقرأ عليه بعض العلوم والفقه الشافعي، ثم انتقل إلى شيخه الشيخ شاكر العقاد السالمي- المشهور بابن مقدم سعد الحنفي- فقرأ عليه كثيرًا من العلوم والفنون في المعقول والمنقول وألزمَهُ التحوُّلَ على المذهب الحنفي فقرأ عليه كثيرًا من كتب المذهب، وأحبَّهُ شيخُه محبَّةً عظيمة، وصار يفتخِرُ به ويأخذه إلى شيوخه ويستجيزهم له، فيُجيزونَه.
ثم بدأ بالتصنيف في هذه الفترة وسِنُّهُ سبعة عشر عامًا، ثم بدأ بقراءة الدر المختار على الشيخ العقاد مع جماعة منهم الشيخ سعيد الحلبي،
1 / 49