الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة
الناشر
مركز الدعوة والإرشاد بالقصب
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
تصانيف
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الزكاة في الإسلام
في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم، ومنزلة، وحِكَمٌ، وفوائد وأحكام، وشروط، ومسائل
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
صفحة غير معروفة
٣ - الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة
مركز الدعوة والإرشاد بالقصب، ١٤٣١هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر.
القحطاني، سعيد بن علي بن وهف
أركان الإسلام./ سعيد بن علي بن وهف القحطاني - القصب، ١٤٣١هـ
٥ مج.
ردمك: ٥ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة)
٦ - ٣ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (ج٣)
(خمسة أجزاء في صندوق واحد)
١ - الإسلام ٢ - العبادات (فقه إسلامي) ٣ - التربية الإسلامية.
أ. العنوان
ديوي ٢٥٢ ... ٤٣٩٦/ ١٤٣١
رقم الإيداع: ٤٣٩٦/ ١٤٣١
ردمك: ٥ - ٠ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة)
٦ - ٣ - ٩٠١٧٩ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (ج٣)
الطبعة الأولى: ١٤٠٧هـ-٢٠٠٨م
الطبعة الثانية: ١٤٢٨هـ- ٢٠٠٩م
الطبعة الثالثة: شوال ١٤٣١هـ-٢٠١٠م
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «الزكاة في الإسلام» بينت فيها بإيجاز كل ما يحتاجه المسلم في زكاته، وقرنت كل مسألة بدليلها من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنان، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله ﷺ.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن ابن باز قدس الله روحه، ونور ضريحه، ورفع منزلته في الفردوس الأعلى.
وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعًا.
المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام.
المبحث الثالث: فوائد الزكاة وحِكَمِهَا.
المبحث الرابع: حكم الزكاة في الإسلام.
المبحث الخامس: شروط وجوب الزكاة.
1 / 3
المبحث السادس: زكاة الدين.
المبحث السابع: مسائل مهمة في الزكاة.
المبحث الثامن: زكاة بهيمة الأنعام السائمة.
المبحث التاسع: زكاة الخارج من الأرض.
المبحث العاشر: زكاة الأثمان: الذهب والفضة والأوراق النقدية.
المبحث الحادي عشر: زكاة عروض التجارة والأسهم والسندات.
المبحث الثاني عشر: زكاة الفطر.
المبحث الثالث عشر: مصارف الزكاة في الإسلام.
المبحث الرابع عشر: صدقة التطوع في الإسلام.
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، مقربًا لمؤلفه، وقارئه، وناشره، من جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع بها كل من انتهى إليه؛ فإنه ﷾ خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف: أبو عبدالرحمن
حرر بعد عصر يوم الإثنين الموافق ١٦/ ١٢/١٤٢٦هـ
1 / 4
المبحث الأول: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعًا
الزكاة لغة: أصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث (١).
والزكاة لغة أيضًا: النماء، والزيادة، يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد (٢)، وجمع الزكاة: زكوات (٣).
والزكاة أيضًا: الصلاح، قال الله تعالى: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ (٤). قيل: صلاحًا، وقيل: خيرًا منه عملًا صالحًا. وقال تعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ (٥). أي ما صلح منكم، ﴿وَلَكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاء﴾ (٦). أي يصلح من يشاء، وقيل لما يُخرج من المال للمساكين ونحوهم: «زكاةٌ»؛ لأنه تطهير للمال، وتثمير له، وإصلاح، ونماء بالإخلاف من الله تعالى، فالزكاة طهرة للأموال، وزكاة الفطر طهرة للأبدان (٧).
والزكاة أنواع ثلاثة على النحو الآتي:
_________
(١) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الزاي مع الكاف، مادة «زكا»، ٢/ ٣٠٧، ولسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل فصل الزاي، مادة «زكا»، ١٤/ ٣٥٨.
(٢) انظر: التعريفات للجرجاني، ص ١٥٢، والمغني لابن قدامة، ٤/ ٥، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٦/ ١٧.
(٣) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص ٢٠٨.
(٤) سورة الكهف، الآية: ٨١.
(٥) سورة النور، الآية: ٢١.
(٦) سورة النور، الآية: ٢١.
(٧) لسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل، فصل الزاي، ١٤/ ٣٥٨.
1 / 5
النوع الأول: زكاة النفس، قال الله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ (١).
وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة.
النوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله ﷺ على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعًا من طعام، أو من برٍّ، أو تمر، أو شعير، أو أقط، أو زبيب (٢).
النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس (٣).
والزكاة أيضًا تأتي بمعنى المدح، يقال: زكَّى نفسه إذا مدحها ووصفها وأثنى عليها، قال الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ (٤).
ويقال: زكَّى القاضي الشهود إذا مدحهم وعدَّلهم (٥).
والخلاصة أن أصل مادة: «زكا» الزيادة، والنماء، وكل شيء زاد فقد زكا.
_________
(١) سورة الشمس، الآيات: ٧ - ٩.
(٢) وسيأتي إن شاء الله ذكر الأحاديث في زكاة الفطر.
(٣) انظر: الشرح المختصر على متن زاد المستقنع، للعلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، ٢/ ٢٣٦.
(٤) سورة النجم، الآية: ٣٢.
(٥) انظر: لسان العرب، لابن منظور، ١٤/ ٣٥٨ - ٣٥٩.
1 / 6
ولما كان الزرع لا ينمو إلا إذا خلص من الدغل كانت لفظة الزكاة تدل على الطهارة أيضًا.
وإذا وصف الأشخاص بالزكاة - بمعنى الصلاح - فذلك يرجع إلى زيادة الخير فيهم (١).
فالزكاة لغة: النماء والزيادة، والطهارة، والبركة (٢).
الزكاة شرعًا: حقٌّ يجب في المال (٣).
وقيل: حقٌّ واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (٤).
وقيل: إنفاق جزء معلوم من المال النامي إذا بلغ نصابًا في مصارف مخصوصة (٥).
وقيل: حصة من المال ونحوه يوجب الشرع بذلها للفقراء ونحوهم بشروط خاصة (٦).
وقيل: عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص (٧).
وقيل: نصيب مقدَّر شرعًا في مال معين يصرف لطائفة مخصوصة (٨).
وقيل: التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعًا، في مال معين،
_________
(١) انظر: فقه الزكاة، ليوسف القرضاوي، ١/ ٣٧.
(٢) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ٢/ ٣٠٧، ولسان العرب، لابن منظور، ١٤/ ٣٥٨.
(٣) المغني، لابن قدامة، ٤/ ٥، والشرح الكبير، ٦/ ٢٩١.
(٤) منتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، ١/ ٤٣٥، الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى الحجاوي، ١/ ٣٨٧، والروض المربع مع حاشية عبد الرحمن بن قاسم، ٣/ ١٦٤.
(٥) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص ٢٠٨.
(٦) القاموس المحيط، ص ٣٩٦.
(٧) التعريفات، للجرجاني، ص ١٥٢.
(٨) الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٦/ ١٧.
1 / 7
لطائفة أو جهة مخصوصة (١).
وقيل: حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص، ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب (٢).
وقيل: تمليك جزء من مال معين شرعًا من يستحقه من مسلم بشرط قطع المنفعة عن ذلك المال من كل وجه لله تعالى (٣).
قال الإمام الشوكاني ﵀: «الزكاة في اللغة: النماء، يقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضًا بمعنى التطهير، وترد شرعًا باعتبارين معًا، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب» (٤).
وقيل: الزكاة شرعًا: حق واجب، في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (٥).
والتعريف الذي يشمل التعريفات المتقدمة كلها: أن يقال:
الزكاة شرعًا: «التعبد لله تعالى بإخراج حق واجب مخصوص شرعًا، من مال مخصوص، في وقت مخصوص، لطائفة مخصوصة، بشروط
_________
(١) مجموع فتاوى ورسائل محمد بن صالح العثيمين، ١٨/ ١١.
(٢) الموسوعة الفقهية، مادة زكاة، ٢٣/ ٢٢٦.
(٣) الزكاة وأحكامها، لوهبي سليمان غاوجي، ص ٢٢.
(٤) نيل الأوطار، ٣/ ٥.
(٥) الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، ٢/ ١٢٦، وإبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، لعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، ١/ ٢٧٩.
1 / 8
مخصوصة». والله أعلم.
والزكاة الشرعية قد تسمى صدقة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ (١). وقال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (٢). وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٣). وعن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن بيَّن له فقال:
«... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم» (٤). وفي حديث جابر وأبي سعيد ﵄ عن النبي ﷺ: «ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة» (٥).
والصدقة: هي العطية التي يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى (٦).
قال العلامة الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى: «الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٥٨.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٤) متفق عليه: البخاري برقم ١٣٩٥، ومسلم، برقم ١٩، ويأتي تخريجه إن شاءالله تعالى.
(٥) البخاري برقم ١٤٠٥، ومسلم برقم ٩٨٠، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
(٦) التعريفات، للجرجاني، ص ١٧٣، ولغة الفقهاء لمحمد رواس، ص ٢٤٣.
1 / 9
الأصل تقال للمتطوَّع به، والزكاة للواجب، وقد يسمى الواجب صدقة إذا تحرَّى صاحبها الصدق في فعله» (١).
فتبين بذلك أن لفظ الصدقة نوعان:
النوع الأول: صدقة تطلق على صدقة التطوع
النوع الثاني: صدقة تطلق على صدقة الفرض، التي هي الزكاة (٢).
والعطية: هي ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه الله تعالى، أو يريد به التودد، أو غير ذلك، فهي أعم من الزكاة، والصدقة، والهبة، ونحو ذلك (٣).
_________
(١) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص ٤٨٠.
(٢) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، لسعدي أبو جيب، ص ٢٠٩.
(٣) الموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٢٢٧.
1 / 10
المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام
الزكاة فريضة عظيمة ومنزلتها من أعظم الأمور؛ لما يأتي:
١ - الزكاة: الركن الثالث من أركان الإسلام، فهي أحد مباني الإسلام؛ لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت». وفي لفظ لمسلم: «بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» (١).
٢ - الزكاة: قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، فقد جمع الله بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة في كتابه الكريم، وهذا يدل على عظم مكانتها عند الله ﷿، وعظم شأنها، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (٢).
وقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٣).
وقال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (٤).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، برقم ٨، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم ١٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٤٣.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٨٣.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١١٠.
1 / 11
وقال ﷿ أثناء بيانه لخصال البر وصفات المتقين: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إلى أن قال ﷿: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾ (١).
وقال ﵎: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٢).
وقال جل وعلا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٣).
وقال تعالى أثناء بيانه لصفات الراسخين في العلم والمؤمنين: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (٤).
وقال سبحانه: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ (٥).
وقال ﷿: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (٦).
وقال ﵎: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ (٧).
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ١٧٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٧٧.
(٣) سورة النساء، الآية: ٧٧.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٦٢.
(٥) سورة المائدة، الآية: ١٢.
(٦) سورة المائدة، الآية: ٥٥.
(٧) سورة التوبة، الآية: ٥.
1 / 12
وقال جل وعلا: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ (٢).
وقال سبحانه أثناء ذكره لصفات المؤمنين: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله﴾ (٣).
وقال سبحانه في قول عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ (٤).
وقال ﷿ في مدح إسماعيل ﵊: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (٥).
وقال ﵎ في سورة الأنبياء: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾ (٦).
وقال جل وعلا: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (٧).
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ١١.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٨.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٧١.
(٤) سورة مريم، الآية: ٣١.
(٥) سورة مريم، الآية: ٥٥.
(٦) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(٧) سورة الحج، الآية: ٤١.
1 / 13
وقال تعالى: ﴿... فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (١).
وقال سبحانه: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (٢).
وقال ﷾: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (٣).
وقال ﷿: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٤).
وقال ﵎: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٥).
وقال جل وعلا: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ﴾ (٦).
وقال تعالى: ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٧).
وقال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا الله قَرْضًا حَسَنًا﴾ (٨).
وقال ﷾: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٧٨.
(٢) سورة النور، الآية: ٣٧.
(٣) سورة النور، الآية: ٥٦.
(٤) سورة النمل، الآية: ٣.
(٥) سورة لقمان، الآية: ٤.
(٦) سورة الأحزاب، الآية: ٣٣.
(٧) سورة المجادلة، الآية: ١٣.
(٨) سورة المزمل، الآية: ٢٠.
1 / 14
الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (١).
وهذه الآيات السابقة قرنت بين الصلاة والزكاة ستًّا وعشرين مرة، كل مرة منها في آية واحدة، وتمام السابعة والعشرين مرة جاءت في سياق واحد مع الصلاة، وإن لم تكن معها في آية واحدة، هي قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ (٢).
وذكرت الزكاة منفردة عن الصلاة في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم هي قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ (٥).
فهذه ثلاثون مرة ذكرت فيها الزكاة في القرآن الكريم (٦).
_________
(١) سورة البينة، الآية: ٥.
(٢) سورة المؤمنون، الآيات: ١ - ٤.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ١٥٦.
(٤) سورة الروم، الآية: ٣٩.
(٥) سورة فصلت، الآيتان: ٦،- ٧.
(٦) جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ٣٢ مرة، ولكنْ مرتان جاءت بمعنى آخر، وهما قوله تعالى: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف ٨١] وقوله: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً﴾ [مريم: ١٣] وانظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٣١ - ٣٣٢.
1 / 15
وقد جاءت كلمة الصدقة والصدقات في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة (١) منها قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٣).
وقد جاءت الزكاة في القرآن بألفاظ غير ألفاظ الزكاة والصدقة كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٦).
وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على أهمية الزكاة وعظم منزلتها في الإسلام.
٣ - اعتنت سنة النبي ﷺ بالزكاة عناية دقيقة فائقة، وهذا يدل على علو شأن الزكاة ومنزلتها العظيمة في الإسلام، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في العناية بالزكاة، والأمر بإخراجها، وبيان وجوبها،
_________
(١) انظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٠٦.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٤) سورة المعارج، الآيات: ٢٣ - ٢٥.
(٥) سورة آل عمران، الآية: ١٣٤.
(٦) سورة الحاقة، الآية: ٣٤.
1 / 16
وإثم تاركها، وقتال من منعها، وبيان أصناف الأموال الزكوية: من بهيمة الأنعام، والذهب، والفضة، وعروض التجارة، والخارج من الأرض: كالثمار، والحبوب، وغير ذلك: كالمعدن، والركاز، وأوضحت النصب ومقاديرها، وبينت السنة أحكام الزكاة بالتفصيل، وكذلك اعتنت السنة المطهرة ببيان أصناف أهل الزكاة الثمانية، وقد ذكر الإمام ابن الأثير أكثر من مائة وعشرة أحاديث في الزكاة (١)، وهي أكثر من ذلك في المصنفات الحديثية، وهذا كله يدل على عظم شأن الزكاة وعلو منزلتها في الإسلام.
٤ – لعظم شأن الزكاة ذكرها الله تعالى في شرائع من كان قبلنا، فقال ﷾ حينما تكلم عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ (٢). وقال ﷾: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (٣). وغير ذلك من الآيات التي تقدم ذكرها آنفًا، منها قوله تعالى في قول عيسى: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ (٤).
٥ – مدح الله القائمين بها في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ
_________
(١) انظر: جامع الأصول، ٤/ ٥٥٠ – ٦٦٩، من الحديث رقم ٢٦٥٥ – ٢٧٦٩.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٧٣.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٨٣.
(٤) سورة مريم، الآية: ٣١.
1 / 17
أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (١).
وقال ﷾: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (٢). وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
٦ – ذم الله تعالى التاركين لها، وتوعَّدهم بالهلاك فقال ﷾: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ (٣).
٧ – تارك إطعام المساكين من المجرمين؛ لقول الله تعالى: ﴿كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ*إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ*فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين﴾ (٤).
٨ – أداء الزكاة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وقد ذكرتُ أدلة ذلك في فوائد الزكاة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
٩ - لعظم مكانة الزكاة شرعها الله تعالى زكاة مطلقة بدون أنصباء مُحدَّدة منذ العهد المكي ورغب فيها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
_________
(١) سورة مريم، الآيتان: ٥٤ - ٥٥.
(٢) سورة النور، الآية: ٣٧.
(٣) سورة فصلت، الآيتان: ٦ - ٧.
(٤) سورة المدثر، الآيات: ٣٨ – ٤٦.
1 / 18
حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (١).
وذم الله تعالى من لم يحض على طعام المسكين، فبين أن عدم الحض على طعام المسكين من أسباب العذاب، فقال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ*إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٢).
وقال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٣).
وبيَّن ﷾ أن من أسباب دخول الجنة العناية بالسائل والمحروم، فقال تعالى في أوصاف أهل الجنة: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٤).
وبيَّن تعالى أن من صفات المؤمنين أن في أموالهم حقًّا معلومًا للسائل والمحروم، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٥).
وفي سورة الروم يأمر تعالى بأداء حق القريب والمسكين، وابن السبيل: ﴿فَآَتِ
_________
(١) سورة الأنعام، الآية: ١٤١.
(٢) سورة الحاقة، الآيات: ٣٠ – ٣٤.
(٣) سورة الفجر، الآيتان: ١٧، ١٨.
(٤) سورة الذاريات، الآيات: ١٦ – ١٩.
(٥) سورة المعارج، الآيات: ١٩ – ٢٥.
1 / 19
ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (١).
وقال تعالى في سورة النمل وهي مكية: ﴿طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ* هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٢).
وقال سبحانه في مطلع سورة لقمان: ﴿الم* تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (٣).
وغير ذلك من الآيات في العهد المكي (٤).
والزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة من القيود والشروط، والحدود، والأنصباء.
أما الزكاة التي فرضت في المدينة: فهي الزكاة ذات النصب والمقادير الخاصة، والشروط، قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ (٥). «أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم، وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا دليل
_________
(١) سورة الروم، الآية: ٣٨.
(٢) سورة النمل، الآيات: ١ – ٣.
(٣) سورة لقمان، الآيات: ١ – ٤.
(٤) انظر: سورة الأعراف، الآيتان: ١٥٦، ١٥٧، وسورة فصلت، الآيتان: ٦، ٧، وسورة الشمس، الآية: ٩، وسورة الأعلى، الآية: ١٤.
(٥) سورة المزمل، الآية: ٢٠.
1 / 20