لعلمه إن السائل يعرف ذلك، وإلاّ فكان الواجب أن يستدرك عقب كلامه بما ذكر النبي ﷺ فيمن تداوى بالحرام، والله اعلم.
واعلم أن التصامم عن العذال قد تقدم في كلام الشعراء كثيرًا قبل أبي نواس، كقول زهير في الجود:
وأبيض فياضٍ يداه غمامة ... على معتفيه ما تغلب نوافله
بكرت عليه غدوة فرأيته ... قعودًا لديه بالصريم عواذله
يفدينه طورًا وطورًا يلمنه ... وأعيى فما يدرين أين مخاتله
فأقصرن منه عن كريم مرزءٍ ... عزوم على الأمر الذي هو فاعله
غير إنَّ أبا نواس لم يكتف العذل ضائعًا، حتى جعله ناجعًا، في عكس المطلوب، ونقيض المرغوب. ولم يحضرني الآن أسبق بهذا أم لا. وقال الشاعر:
ألقاه في البحر مكتوفًا وقال له: ... إياك، إياك أن تبتل بالماء!
وهو مثل مشهور يضرب عند إلزام الشخص ترك ما لا محيص له عنه عند وجود سببه، أو ارتكاب مالا قدرة عليه. ومنه التكاليف الشرعية عندنا معشر الاشاعرة عند النظر إلى التحقيق وباطن الأمر، إلاّ أنا نجوز في حق الملك الحق تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد من غير قبح في شيء من ذلك، بل حسن جار على وفق الاختيار، وتصرف من له الاقتدار، ولا سيما بحسب الظاهر. ويقرب من هذا المعنى قول بعض الشعراء في امرأة:
سكت فقالت: قد سكت عن الحق ... ففهت فقالت ما دعاك إلى النطق؟
فأومأت هل من حالة بين ذا وذا؟ ... فقالت: وذا الإيماء أيضًا من الحمق
فلم أرلي إذ حلت الغرب راحةً ... من الشر إلاّ في المسير إلى الشرق
فلما أتيت الشرق ألفيتها به ... وقد قعدت بي منه في أضيق الطرق
فيا قوم هل من حيلة تعرفونها؟
وقال الآخر:
من غص داوى بشراب الماء غصته ... فكيف يصنع من قد غص بالماء؟