وأما الخيط الأبيض فهو الفجر الثاني سمي أبيض لانتشار البياض في الأفق معترضا وقال أبو دواد الأيادي١:
فلما أضاءت لنا سدفة ... ولاح من الصبح خيط أنارا٢
أراد الفجر الثاني بقوله: خيط أنارا لأنه جعله منيرا وقرنه بالسدفه وهي اختلاط الضوء والظلمه معا وأما الشفق فهو عند العرب الحمره وروى سلمة عن الفراء انه قال: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان احمر قال: فهذا شاهد وفي حديث عائشه ﵂ انها قالت: "كنا نصلي مع رسول الله ﷺ الصبح ثم ننصرف متلفعات بمروطنا ما نعرف من الغلس"٣.
فالمتلفعات: النساء اللاتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن، ويقال: وقد تلفع بثوبه والتفع به إذا اشتمل به أي تغطى به.
وأما المروط فهي أكسيه من صوف أوخز كن النساء يتجلببن بها إذا برزن واحدها مرط والغلس والغبس والغبش بقية الظلام في آخر الليل ومنه يقال: خرج فلان بغلس وقد غلس إلى حاجته. وهذا يدل على أن النبي ﷺ كان يصلي الصبح وعليه بقية من ظلمة الليل.
وأما الإسفار: فهما إسفاران:
أحدهما: أن ينير خيط الصبح وينتشر بياضه في الأفق حتى لا يشك من رآه أنه الصبح الصادق.
_________
١ - في المخطوط: "أبو داود" وهو تحريف وانظر ترجمته في "الشعر والشعراء" "١/١٦١. وهامشه.
٢- البيت في "الأصمعيات" "٢٨" والطبري "٢/١٠٢" ومختار القرطبي "ص ١٣٠" واللسان "خيط" من كلمة يصف فيها فرسا خرج عليه للصيد، ووقع في الأصمعيات: " خير أنارا" ولا معنى لها والسدفة: ظلمة الليل وهي لغة نجد وهي أيضا اختلاط الضوء والظلمة جميعا كوقت ما بين صلاة الفجر إلى أول الأسفار ولاح: بدا وظهر من بعيد والخيط: اللون هنا ويكون ممتد كالخيط.
٣- متفق عليه: أخرجه البخاري "٢/ ٢٨٨" في صفة الصلاة - باب خروج النساء إلى المساجد باللي والغلس، ومسلم "٦٤٥/٢٣٢" ومالك في "الموطأ" "١/٥" من حديث عائشة رضى الله عنها.
1 / 52