165

زاد المعاد في هدي خير العباد

محقق

محمد أجمل الإصلاحي ومحمد عزير شمس ونبيل بن نصار السندي وسليمان بن عبد الله العمير وعلي بن محمد العمران

الناشر

دار عطاءات العلم ودار ابن حزم

رقم الإصدار

الثالثة (الأولى لدار ابن حزم)

سنة النشر

١٤٤٠ هجري

مكان النشر

الرياض وبيروت

الآية بيَّن فيها انفراده بالخلق والاختيار، وأنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ﴾ (^١) [الأنعام: ١٢٤]، أي: الله أعلم بالمحلِّ الذي يصلح لاصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره.
الرابع: أنه نزه نفسه سبحانه عما اقتضاه شركهم من اقتراحهم واختيارهم فقال: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: ٦٨] ولم يكن شركهم مقتضيًا لإثبات خالق سواه حتى ينزِّهَ (^٢) نفسه عنه، فتأمله فإنه في غاية اللطف.
الخامس: أن هذا نظير قوله في الحج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، ثم قال: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [الآيات: ٧٣ - ٧٦]. وهذا نظير قوله في القصص: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [الآية: ٦٩]، ونظير قوله في الأنعام: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ﴾ [آية: ١٢٤] فأخبر في ذلك كلِّه عن علمه المتضمن لتخصيصه محالَّ اختياره بما خصصها به، لعلمه بأنها تصلح له دون غيرها. فتدبَّر السياق في هذه الآيات تجده منتظِمًا لهذا المعنى، دائرًا عليه، والله أعلم.

(^١) كذا في النسخ الخطية: ﴿رِسَالَاتِهِ﴾ على قراءة أبي عمرو وغيره.
(^٢) ق، ن: «نزه».

1 / 16