وأذاع الخديو في الوقت نفسه منشورا علق في شوارع الإسكندرية، فصل فيه الأسباب التي دعت إلى عزل عرابي من منصبه، وأخذ فيه على عرابي إخلاء الإسكندرية دون مقاومة، ثم دافع عن نيات الإنجليز واحتلالهم الإسكندرية، وسوغه بأن الغرض منه المحافظة على الأمن!
وكان عرابي مرابطا في معسكره بكفر الدوار حين أصدر الخديو أمره بعزله من منصبه، فلم يكترث له واستمر يعد عدة الدفاع ليصد تقدم الإنجليز، وأرسل إلى يعقوب سامي باشا يدعوه إلى عقد الجمعية العمومية ثانية للنظر في أمر العزل ... فقرر المجلس العرفي دعوة الجمعية العمومية إلى الانعقاد، واجتمعت بوزارة الداخلية يوم السبت 23 يوليو سنة 1882، وهذه هي المرة الثانية لاجتماعها، ولم تجتمع بعد ذلك، وكان الحاضرون في المرة الثانية أكثر عددا من المرة الأولى، إذ حضرها نحو خمسمائة من الأعضاء، منهم ثلاثة من الأمراء، وشيخ الأزهر وقاضي قضاة مصر ومفتيها ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط الأرثوذكس وحاخام اليهود، والنواب والقضاة والمفتشون ومديرو المديريات والأعيان، وكثير من العمد ومشايخ البلاد، فلما اجتمعت الجمعية تليت عليها الأوامر الصادرة من الخديو، والمنشورات التي أصدرها عرابي، وتولى هذه التلاوة الشيخ محمد عبده (الأستاذ الإمام) بناء على أمر حسين باشا الدرمللي وكيل الداخلية، وألقى علي باشا الروبي خطبة تناول فيها الخديو بالطعن والقدح، وتليت فتوى شرعية من الشيخ محمد عليش والشيخ حسن العدوي والشيخ محمد أبو العلا الخلفاوي، بمروق الخديو من الدين لانحيازه إلى الجيش المحارب للبلاد، وتداول الأعضاء في الموقف الحربي، وفيما يجب عمله، فاتفقت آراؤهم على عدم قبول عزل عرابي، وبعد أن صدر هذا القرار، قال يعقوب سامي باشا وكيل وزارة الحربية: «حيث قرر هذا المجلس المحترم عدم عزل عرابي باشا من نظارة الجهادية والبحرية، ورأى لزوم بقائه في الوظيفة ... فأرجو من المجلس أن يرى رأيه في أوامر الخديو التي تصدر إلي من جنابه، وكذلك ما يصدر من حضرات نظاره المقيمين معه، هل يلزمني قبولها وتنفيذها أم لا؟» فتداولت الجمعية العمومية في هذه المسألة، وأصدرت قرارها بوقف أوامر الخديو ونظاره وعدم تنفيذها. (1-1) الحرب بين العرابيين والإنجليز
عسكر عرابي بجيشه في كفر الدوار وأقام بها الاستحكامات المنيعة، وأخذت طلائع العرابيين تناوش الإنجليز في ضواحي الإسكندرية ... ولم يكن الجيش الإنجليزي قد أمن بعد على مركزه في الثغر، بل كان يتوقع أن يهاجمه العرابيون بعد أن يلموا شعثهم عقب الهزيمة الأولى، فأخذ الإنجليز يحصنون استحكامات المدينة ووضعوا الحراس على مداخلها.
وكانت طلائع المصريين ترابط في الرمل وتستعد لمناوشة الأعداء ... واستمر الإنجليز يلزمون خطة الدفاع في الإسكندرية وينتظرون وصول الإمداد . وفي 17 يوليو جاءهم مدد من 2700 مقاتل، وجاء الإسكندرية الجنرال أليزون
Alison
فتولى قيادة الجيش البريطاني في المدينة حتى يحضر القائد العام الجنرال ولسلي، وكان عدد الجيش البريطاني في الإسكندرية 3686 مقاتلا - عدا جنود الأسطول - ثم جاءهم مدد آخر عدده 1108 من مالطة وجبل طارق ... فاحتل الإنجليز الرمل في 23 يوليو، ثم أخذ المدد الأكبر يتحرك من ميناء ولوتش
Wolluich
بإنجلترا في أواخر يوليو قاصدا مصر، وأصدرت الملكة فيكتوريا أمرا في 21 يوليو بتعيين الجنرال السير جارنت ولسلي
Sir Garent Wolsley
قائدا عاما لجيش الحملة على مصر، ولم يصل إلى الإسكندرية إلا في منتصف أغسطس.
صفحة غير معروفة