ويعنون بها شيئا قريبا من فوضى الغوغاء، وهذا الفارق مشروح في كتاب المفكر السياسي بوليبيوس
، الذي كان أحق المفكرين أن يعتمد عليه في هذا المقام؛ لأنه يوناني تربى في عاصمة الرومان وأحاط بتجارب النظم فلسفيا وواقعيا بين المدينة الإغريقية والدولة الرومانية، وكان أدق من أفلاطون وأرسطو معا في التفرقة بين الديمقراطية المعيبة والديمقراطية الممسوخة، التي تشبه الحكم المطلق وتنتهي إليه، وتقوم على إنكار الامتياز والتسوية العددية، على خلاف الديمقراطية في صميمها؛ وهو اتساعها لشتى المزايا والاعتراف لكل مزية بحقها ومكانها من المجتمع، وقد كان تفصيل المذاهب التي أتى بها بوليبيوس في تاريخه دون قصد إلى البحث النظري والتقرير الفلسفي؛ أصدق بيانا للنظم الحكومية جميعا في سياق التطبيق والتنفيذ من معظم آراء الأبيقوريين والكلبيين.
والذي يشكره القارئ للأستاذ العروسي مترجم الكتاب، أنه أحسن التوفيق بين الدقة والوضوح والأسلوب السائغ في هذه الترجمة العلمية، وأنه أضاف بهذا الكتاب القيم ذخرا جديدا إلى المجموعة السياسية العلمية، التي بدأت عندنا بكتب جستاف لوبون وجون ستيوارت ميل وسبنسر وترجمة كتاب السياسة لأرسطو بقلم الأستاذ الجليل أحمد لطفي السيد، فليس ألزم للقارئ العصري من توسيع النظر إلى أصول المباحث الأولى والحديثة في مسائل الاجتماع والحكم والسياسة، وليس أدعى إلى صدق النظر فيما يعرض عليه من الدعاوي والدعوات من علمه بعواقب أمثالها فيما تقدمت به تجارب الأمم، وقد يقال عن يقين إنه ما من جديد كل الجدة قط في هذه المذاهب السياسية التي تساق كل يوم مساق الجديد.
ولا نزيد على مثل واحد لبيان رأينا في أسلوب الترجمة كما اختاره الأستاذ العروسي حريصا على الدقة والطلاوة، وهذا المثل الواحد يدل على غيره كل الدلالة، ويطمئن القارئ إلى الثقة بالمعنى مع اختلاف المشرب أو المنهج، فقد ترجم الأستاذ كلمتي
Happy Versatility
بالتغير السعيد، ولا خطأ في معنى الكلمتين بهذه الترجمة، ولكننا نفضل أن نترجمهما «بالمرونة الموفقة»؛ لأن هذا اللفظ يؤدي معنى الاتفاق ويؤدي معنى السعادة دون أن يصل إلى طبقة السعادة في قوة مدلولها، وهي بلا شك أقوى من المطلوب بوصف التوفيق؛ إذ هو أقرب إلى الوصف المريح منه إلى الوصف السعيد.
أحد أقارب تشرشل كان يحمل البيكوية1
في الشهر الماضي ظهر الجزء السادس والأخير من تاريخ الحرب العالمية الثانية، الذي يكتبه السير ونستون شرشل رئيس الوزارة الإنجليزية في الوقت الحاضر، وكأنه قد ختم به تاريخه للحرب العالمية وختم به أعماله الوزارية أو السياسية، إذا صح ما أذيع من أنه ينوي اعتزال السياسة بعد شهور.
ومن المعقول أن يكون الخبر عن اعتزاله السياسة صحيحا؛ لأنه لم يظهر على عادته ظهوره العنيف فوق المسرح منذ سنتين ، وسيبلغ الثمانين في نهاية شهر نوفمبر القادم، فإذا انقضى الصيف واقترب عيد الميلاد المسيحي، واتفق مع ذلك أنه يحتفل بالذكرى الثمانين لمولده؛ فتلك مناسبة صالحة للاعتزال بعد طول النضال والنزال.
العبقرية وآفتها
صفحة غير معروفة