وقر في أذهانهم أنه حال دون استفحال المذابح المدبرة في إقليمه، واستحق من مؤتمر الأجانب الذي انعقد بفندق «أبات» بالإسكندرية أن يوجه إليه رسالة الشكر الإجماعية، التي قالوا فيها: «إننا نحن الواضعين إمضاءاتنا بذيله، المستوطنين في القطر المصري، والتابعين لدول مختلفة، بناء على ما اشتهر لدينا مما أتيتم به من الإعانة والغيرة نحو ساكني طنطا، على اختلاف أجناسهم وأديانهم؛ قد رأينا من الواجب علينا أن نقدم لسعادتكم هذه العريضة؛ برهانا على إقرارنا الأبدي بحميتكم وشكرنا الدائم لسعادتكم، وأنه ليسرنا ويعزينا كثيرا أن نرى في القطر المصري، مع ما أصيب به من النوائب، رجالا دافعوا عن حقوق الإنسانية، وراعوا زمام التمدن بحمايتهم أولئك الأبرياء.»
قال أولئك العارفون بتاريخ المذابح المدبرة يومئذ إن الرجل إنما سيق إلى السجن لحمايته الأبرياء لا لضربه اللصوص، وسواء صح تقدير أولئك العارفين أو لم يصح، فقد كانت معاملته للمجرمين أهون جدا من الإحراق بقيد الحياة.
أما نزاهة كتشنر
أما نزاهة كتشنر في قضية سيف الدين، فقد كانت كلها دعاية وتغطية من المبدأ إلى الختام.
كانت له علاقة وثيقة «بحسين محرم باشا»، تمتد إلى الرحلات والسهرات والزيارات الشخصية، وكان حريصا على تغطية حسين محرم باشا، منذ عرضت أوراق الدوائر على وزير الحقانية - سعد زغلول - إلى أن استقال سعد من الوزارة احتجاجا على التدخل في أعمال المجالس الحسبية.
وكان سعد قد أبدى رأيه عند مراجعة أوراق الدوائر بإحالة الوصي إلى القضاء، فوقف له كتشنر مباشرة؛ لأن مستشار الحقانية الإنجليزي كان يظهر الحيدة فيما يتصل بالمحاكم الشرعية والمجالس الحسبية، وقال كتشنر إنه لا يمنع المحاكمة، ولكنه يوجب على الوزير أن يتقدم بجميع الأدلة التي تثبت التهمة قبل إحالة الوصي إلى التحقيق، وهذا هو الذي سماه سعد بوضع المركبة أمام الحصان؛ لأن الأدلة القاطعة لا تجتمع بين يدي المحققين المسئولين قبل حجز الأوراق والمقابلة بين الحسابات، ولم تستطع دائرة المعارف البريطانية أن تخفي هذه الحقيقة، فقالت في طبعتها التي ظهرت بعد الحرب إن أدلة زغلول لم تكن كافية، ولكن التهمة كانت صحيحة كما وقر يومئذ في الأذهان.
وأبى سعد أن يقضي على الشبهات وهو مفتوح العينين، فاستقال وكتب في صحيفة الأهرام ردا على الذين خاضوا في أمر تلك الاستقالة، منذرا بإعلان الحقيقة إذا أصر ولاة الأمر على اللجاجة فيها، فانقطعت الألسنة وتقصفت الأقلام!
ولم يكن كتشنر في مصر يوم نظرت القضية بعد التحقيق فيها، ولكن القضية لم تنظر إلا والخديو عباس معزول.
ولهذه المسألة في علاقتها بالمجالس الحسبية والقضاء الشرعي، شعب كثيرة يحيط بها رأي سعد المعروف عن تنظيم المعاهد الدينية والهيئات القضائية، ولم يكن يقنع فيه بما دون الإصلاح الشامل الذي يتناولها جميعا، لو انطلقت يداه بالعمل كما أراد.
وكتشنر كله دعاية
صفحة غير معروفة