مسجدا شارك الجميع في بنائه.
أمثال هذه المنافي تخلق وضعا لا تستطيع أي سلطة مقاومته؛ فالحراس من جنود وضباط هم أيضا مسجونون بسبب المسافة التي تفصلهم عن العمران. ولا مفر من أن تنشأ بينهم وبين مسجونيهم مع الوقت علاقات إنسانية. هكذا أمكن إقناع البعض بالقول وأغلب الأحيان بالمال لكي يجلبوا بعض الكتب عند عودتهم من العطلات ويدفنوها في رمال الصحراء. وفيما بعد يتم نقلها إلى داخل السجن لتستقر في مخابئ تحت الأرض. هكذا تكونت مكتبة ضخمة ضمت قرابة عشرة آلاف كتاب، وتوفرت الصحف والمجلات الفرنسية التي كان يرسلها كورييل من باريس مع الملابس والأطعمة والسكر طيلة عشر سنوات.
ولا زلت أذكر اليوم الذي وصلتنا فيه «ثلاثية»
نجيب محفوظ
عقب نشرها مباشرة في ثلاث مجلدات، وكانت تنشر قبلا مسلسلة في مجلة «الرسالة الجديدة» التي رأسها
يوسف السباعي . وكان الزميل المسئول عن توزيع الكتب يحتفظ بقائمة طويلة للرغبات يسجلها بعود محروق من الخشب فوق قاعدة صندوق سجائر. وعندما هرعت لإضافة اسمي أمام «الثلاثية» وجدت أمامي طابورا طويلا من الحاجزين. ولما كان المرضى يقدمون على غيرهم في مختلف منافع الحياة المشتركة، من طعام وخلافه؛ فقد تظاهرت بالمرض. لكني اكتشفت أن أمامي عددا كبيرا من المرضى الذين يحتاجون لتسلية لا تتوفر إلا في هذا الكتاب بالذات. وتفتق ذهني عن حجة جديدة لتخطي زملائي فزعمت أني مقبل على كتابة عدد من النصوص الأدبية وفي حاجة شديدة أكثر من غيري لقراءة الثلاثية لكي أتعلم منها. وفوجئت بأن عددا لا بأس به من الزملاء قرروا أيضا ممارسة الكتابة الأدبية ويحتاجون جميعا لشحذ إبداعهم بقراءة نفس الرواية. بل كان منهم كتاب حقيقيون بالفعل مثل
فؤاد حداد ،
إبراهيم عبد الحليم ،
محمد خليل قاسم ، صاحب رواية «الشمندورة» الرائدة، و
محمد صدقي ، الذي عرف باسم
صفحة غير معروفة