انفجر مروان غاضبا وكسر الطاولة، كانت النسوة يتهامسن: «لم يعد للقاح فائدة فيه، جسمه يرفض اللقاح !» وهو يقول بغضب: عالم فاسق. أباح التعري أمام العامة، والسحاق، ينسب المولود للأم، والمرأة تحكم الرجل. أعاد الموتى للحياة، وهذا شأن الله، وأنكر دين الإسلام. جعل الدين لقاحا، خدرتموني به، جعلتموني أرتكب الزنا بثلاث منكن.
خافت النسوة كثيرا، وبكت مريانا. كان بروسي يرقب المشهد، ثم قال لهم بغضب مما أخاف النسوة: «لقد خدعني هذا الرجل مؤخرا بأنه كريم نورين، إنه يشبهه. من أين أتى؟ من أرسله ليفسد هذا العالم؟! أنتم البشر عاطفيون، بعواطفكم ترتكبون الحماقات. كيف رأيتم أن لقاح الأديان سيجعله إنسانا جديدا، وهو في سن متأخرة من حياته؟! من الصعب تغير برمجته. أنا الآن غاضب، أظن هذا الرجل نقل إلي الغضب، هل هذا الغضب فيروس؟! أين صانعي ليرى ما بي. أريد أن أقذف بهذا الرجل من النافذة، أظنه قد أفسد تربية توسي أيضا. ثم ذهبوا يبحثون عن توسي، فلم يجدوه.»
ذهب بروسي إلى المطبخ، وسمعوا أشياء تحطم وتكسر. عم الخوف المنزل وأسرعت النساء إلى المطبخ عدا مريانا، راحت تعطي مروان كأسا فيها شراب .. أوصت به البروفسور ماري كدواء إسعافي إذا عاد إلى سلوكه الهمجي فجأة. سرى ذلك الشراب في جسد مروان كسريان الملح في الماء. فجأة خرج بروسي من المطبخ وعينه كالجمر واتجه نحو مروان، وفجأة أقبلت شرطة مراقبة السلوك، والمسعفون الطيارة وأحاطوا بالمنزل، يبحثون عن توسي. رأوا مروان في يد بروسي معلقا في الهواء يريد أن يقذف به من النافذة، فأوقفوا بروسي وشلوا حركته.
عرفت النسوة أن توسي ارتكب جرائم لم يسبق العهد بها. أسرعن لمشاهدة القنوات الفضائية وهي تبث جرائمه، وهو يقتل ثلاث نساء في خدرهن، ويجرح أربعا منهن في المسبح. ثم رأوا مشهدا آخر وهو يجرح ست نساء وهن يمارسن اللقاء الحميمي مع هيوموروبوت في منزلهن. كان مروان يحدث نفسه: «لله درك يا توسي، لله درك، لقد عملت الصحيح.» صرخت مريانا بعد أن قرأت أفكار مروان: «لا فائدة، لا فائدة. اقبضوا على مروان هو السبب، وأنا أيضا أستحق العقاب. لم أبلغ عما كان يدور في فكره ، لقد أحببته، وقصرت في واجبي.»
10
ألقت الشرطة القبض على توسي وبروسي وأرسلتهما إلى مشفى الهيموروبوت؛ لإعادة برمجتهما؛ لإزالة تأثير السلبيات التي اكتسباها أثناء بقاء مروان معهما، كذلك أرسلت نساء مروان ما عدا مريانا إلى المشفى للفحص الطبي، حول ما إذا كن قد تأثرن بسلوك مروان، وانتقل فيروس الأنانية والغضب إليهن. تلك الفيروسات التي كانت سبب بلاء العالم القديم.
أرسل مروان ومريانا إلى جزيرة الشواذ على مركبة خاصة، كان فيها امرأة وشاب تزوجا حديثا. دار الحديث بينهم، قال الشاب: «نبذت إلى الجزيرة؛ لأنني فضضت بكارة إحدى شريكاتي، كانت غير موافقة، وأخذت إلى الجزيرة للتأهيل هناك، وسوف أعود مرة أخرى بعد اختبارات عدة.» ثم ضحك ضحكة عالية، وقال: «منذ أن سيطرت المرأة أسست قانونا لصالحها. القانون لصالح المرأة في عالمنا، أليس كذلك؟» قالت مريانا بغضب: «أنت تريد أن تعيد العالم لعصر سيطرة الرجل، ونعود للحروب مرة أخرى؟ فعلا أنت تستحق النبذ. لماذا فضضت خاتم زوجتك دون إذنها؟!» قال الشاب: «أنت، لماذا نبذوك؟»، أجابته: «لأنني لم أقم بواجبي، ولم أوصل معلومات عن شريكي هذا؛ لأنني أحببته.» فقال الشاب: «جرمك أكبر من جرمي، أنت أصبت بفيروس الأنانية، وهذا خطر جدا، ولن تعودي إلى عالمك إلا بعد عدة سنوات، وستعيشين في مكان خاص مع شريكك الذي نقل إليك العدوى.» ثم سأل الشاب وهو يشير إلى مروان: «وأنت ما هو جرمك؟» أجاب مروان: «فقط غرت على ديني، أخبرت توسي أن يؤدب النساء العاهرات والشاذات. وجدت هذا العالم قد خرج عن دين الله، وتدخل في شئونه.» قال الشاب: «أما أنت فلن تعود من الجزيرة، وستموت هناك.» ثم التفت الشاب إلى الفتاة الأخرى وسألها: «وأنت لماذا نبذوك؟» أجابت: «كذبت.» قال الشاب: «أما أنت ستعودين بعد سنة من العلاج.»
11
وصلت المركبة إلى جزيرة خضراء، بناياتها ضخمة، لكنها ليست بجمال مدن العالم الأخرى. أنزل الشاب والفتاة أولا، في المكان الخاص بإعادة تأهيل السلوك. أما مروان فأخذوه إلى مكان آخر من الجزيرة هو ومريانا. استقبلوهما هناك بالسخرية، لم يجد مروان المكان غريبا عليه؛ فهو يشبه عالمه القديم بالفوضى وشوارع المدينة ومنازلها وناسها، حتى إنه ظن أنهم أعادوه إلى زمنه القديم. دخل مطعما مزدحما بالناس مليئا بالضجيج، وجد ما كان يأكله في حياته السابقة .. هتف لشاب صغير يعمل في المطعم: برمة لحم يا ورع (وسيم)، فلم يفهموه، فقال: الفطر الحنيذ، يا ليد. خرجوا من المطعم ومروا على سوق لبيع القات. قال لمريانا: «هكذا كان عالمي تماما.» ثم سألها هل يوجد هنا لقاء روحي؟ أجابت: «لا أظن.» ذهبوا إلى مكتب الوافدين ليسجلوا أنفسهم هناك، الذين بدورهم أرسلوهم للعمل في مصنع كبير، خاص لحفظ المواد الغذائية وتصديرها. وجدوها مدينة صناعية ضخمة، يعمل فيها المنبوذون، يطبق عليهم قانون العالم القديم، ليس هناك لقاء روحي، أو تقدم تقني مثل مدن العالم الجديد.
ولدت مريانا بولد يشبهه كثيرا، وعاش حياته كما كان يحياها في عالمه القديم .. كان مروان يمضغ القات يوميا هو ومريانا. عاد مروان إلى طبيعته السابقة. ذهب يوما يمشي إلى جبال الجزيرة، فرأى شجرة دم الأخوين، فصاح: «هذا جزيرة سقطرى». عاد وهو يسب ويلعن، يتملكه الغضب إلى أن وصل شقته التي يعيش فيها. أخبر مريانا عن الجزيرة التي لم تتطور كغيرها، وجعلوها تخدم العالم. وكان بالإمكان أن تكون مدينة حرة عالمية في زمانه.
صفحة غير معروفة