فقال: أقلا واتركا الرحل إنني
بمهلكة والعاقبات تدور
فبيناه يشري رحله قال قائل
لمن جمل رخو الملاط نجيب
إلى آخر الشواهد التي أتيت بها في تلك المقدمة.
وكنت أحسب يوم كتبت هذه المقدمة أن المهلة لا تطول، إلا ريثما تنتشر القصائد المرسلة في الصحف والدواوين حتى تسوغ في الآذان كما تسوغ القصائد المقفاة، وإنها مهلة سنوات عشر أو عشرين سنة على الأكثر، ثم نستغني عن القافية حيث نريد الاستغناء عنها في الملاحم والمطولات، أو في المعاني الروحية التي لا تتوقف على الإيقاع.
ولكني أراني اليوم وقد انقضت ثلاثون سنة على كتابة تلك المقدمة، ولا يزال اختلاف القافية بين البيت والبيت يقبض سمعي عن الاسترسال في متعة السماع، ويفقدني لذة القراءة الشعرية والقراءة النثرية على السواء؛ لأن القصيدة المرسلة عندي لا تطربنا بالموسيقية الشعرية، ولا تطربنا بالبلاغة المنثورة التي نتابعها ونحن ساهون عن القافية غير مترقبين لها من موقع إلى موقع ومن وقفة إلى وقفة.
والظاهر أن سليقة الشعر العربي تنفر من إلغاء القافية كل الإلغاء، حتى في الأبيات التي تحررت منها بعض التحرير.
فالأبيات الأربعة التي أتينا بها آنفا قد اختلف فيها حرف الروي بين اللام والميم والراء والباء، ولكن الحركة لم تختلف بين جميع الأبيات، بل لزمت الضم فيها جميعا، وهي حركة تشبه الحرف في الأذن، وإن لم تشبهه في أحكام العروضيين والنحاة.
والأمر كما نحسه في حكم الأذن يتفاوت بين مراتب ثلاث من الألفة والارتياح إلى السماع.
صفحة غير معروفة