واسمع غرائب ما يطرق الآذان ويصك الأذهان: فهذا الكاتب لماذا لا يكتب في القصة؟ ولماذا لا يكتب في الدين؟ ولماذا لا يكتب في الفكاهة؟ ولماذا لا يكتب في هذه الصحيفة أو تلك المجلة؟ وهذا الكاتب لماذا لا يطلق لحيته؟ أو لماذا لا يقصها؟ وهذا الكاتب لماذا لا يعجب بفلان ولا يقلع عن الإعجاب بفلان؟ وهذا الكاتب لماذا لا يتوجه إلى جمهرة القراء قارئا قارئا؛ ليعفر وجهه بتراب الاعتذار والاستغفار، ويعترف بما يسومونه من اعتراف أو ينكر ما يسومونه من إنكار؟
وخذها قاعدة لا ريب فيها أن الشروط عندنا تزيد بمقدار ما يقل الجزاء، وأن الجزاء عندهم يزيد بمقدار ما تقل الشروط.
أليس هذا بعجيب؟
بلي، ولكنه عجب في الظاهر دون الحقيقة، وما من عجب صحيح في كثرة الطهاة حيث يكثر الآكلون، ولا من عجب صحيح في كثرة الافتنان والتسابق إلى الإتقان حيث يكثر الطهاة في مكان.
فالغربيون يفتنون في الطبع والنشر والتشويق والترغيب؛ لأن طهاة الأدب كثيرون، وآكلي الأدب كثيرون.
وكذلك تقل الشروط عندهم؛ لأن الطعام مطلوب هنا إن لم يطلب هناك، وسائغ في بعض الأذواق إن لم يسغ في غيرها من الأذواق.
أما الطفل الممعود فكيف يعيش الطاهي إلى جانبه؟ وكيف يقلع عن الاقتراح والاشتراط وهو لا يأكل ولا يشتهي؟
لو أنه أكل لما اشترط واقترح.
ثم إنه ليجد شروطه كاملة وافية دون أن يطلبها ويلح في تقاضيها؛ لأن الطهاة يكثرون حيث يكثر الآكلون، ثم يتنافس الطهاة فيجيدون ويبدعون. •••
لقد أخذنا المفكرات السنوية من الطباعة الغربية، ولكننا لم نأخذ بعد افتنانهم في أوضاعها ولا في موضوعاتها ، فقلما تختلف مفكراتنا السنوية بغير الحجم وصنف الورق ولون الغلاف، وقد يزيدون عليها بعض الحكم والأمثال على غير قصد مرسوم أو تفرقة منوعة.
صفحة غير معروفة