وأما «الواقعية» التي يقولون: إنهم ينقذون الشرق بها، ويردون الشرق من أحلامه إليها فحذار حذار منها ... هي داء الشرقيين أجمعين، وإنهم لأئمة الواقعيين بين العالمين.
الفصل الثاني والأربعون
القدوة والإصلاح
رويت في مقال لي كلمة الفلاح الكبير صاحب الأفدنة الكثير في «حمالة الجورب» التي عابها على بعض المعلمين الإلزاميين، وقال: إنه لم يسمع بها إلا من هؤلاء المعلمين.
وقد كتب أديب في «الرسالة» يعقب على تلك الكلمة، ويرى أنه كان الأجدر بكاتب هذه السطور «ألا يسوق إلينا فكرة صاحب الأفدنة التي ترمي إلى إصلاح المعلم الإلزامي؛ لأنه إذا سئل عن العيب الذي يراه لا يجد ما يقوله سوى أنه يعلم النشء التبطل والحذلقة، وكيفية وضع «حمالة الجورب» وإحسان رباط الرقبة وهلم جرا ...»
وجاءتني رسائل شتى في هذا الصدد ينظر بعض كاتبيها إلى ملاحظة الوجيه الريفي نظرة الفكاهة والسهولة، ويشتد بعضهم في الإنحاء عليها كأنها خطر على التعليم.
وعندي أن المعلم الإلزامي هو آخر من يحق له أن يكتم أمثال هذه الملاحظات أو يطلب كتمانها؛ لأن التعليم الإلزامي في اعتقادي مشتق من اللزوم قبل أن يشتق من الإلزام، فلا يضيره أن ينكره كبير أو صغير حنقا على حمالة الجورب أو حمالة الحطب! ولا يفهم من اختلاف الآراء في برامجه ومواده وأساليبه أن الخلاف على أصوله وأساسه، وإنما هو في نهاية الأمر خلاف على الفروع والتفصيلات.
هذا سبب من الأسباب التي تأبى على المعلم الإلزامي خاصة أن يكتم ملاحظة تساق في معرض الرأي، أو في معرض الفكاهة عن هذا التعليم.
وسبب آخر أن المعلم الإلزامي مطالب قبل غيره باستطلاع «الحالة العقلية»، أو الحالات العقلية التي تتصل بمعيشة الفلاح وأبناء الريف، وهو أحرى أن يستطلع ما يخصه، ويخص عمله من تلك الحالات العقلية التي يتصدى لها في تعليمه، قبل أن يتصدى لتعليم الحروف والأرقام وسائر الدروس.
قيل فيما قيل عن التعليم الإلزامي، وأشرنا إليه في مقالنا السابق: «أليس الأجدى على الفلاح أن نطعمه ونرفه عنه بهذه الأموال التي ننفقها على تعليمه إلزاما، وهو مفتقر إلى الطعام النافع والماء النظيف؟»
صفحة غير معروفة