والثاني: أنه تعالى لا يجوز مشاهدته، فالذي يدل على الأول أن الطائفة العظيمة لو أخبرتنا بوجود بلد في الدنيا يقال لها بغداد لعلمنا صحة ما تقوله، ولو أخبرتنا تلك الطائفة بعينها أن الله تعالى يرى بالأبصار لم يعلم صحة ما تقوله، فثبت الأصل الأول وهو أن الأخبار المتواترة لا تكون طريقا إلى العلم إلا إذا كانت مستندة إلى المشاهدة.
وأما الأصل الثاني: وهو أنه تعالى لا يجوز مشاهدته فقد تقدم بيانه أيضا فإذا بطلت هذه الأقسام ولم يبق لنا طريق إلى معرفة الله تعالى سوى النظر والاستدلال لأن هذه طريقة السير، ومن حقها إذا بطلت جميع أقسامها إلا واحدا تعيين الواحد بالصحة، ولا يجوز بطلان كما بطلت، وطريقة السير القطعية الصحيحة ماجمعت أمور ثلاثة:
أحدهما: أن تستقرى الأقسام الممكنه في المسألة وتسيرها وتحصرها في أقسام [62أ] بأحد طرق الحصر.
والثاني: أن يثبت بالدلالة القاطعة أنه لا بد في المسألة من أحدها، ولا يجوز أن نبطل جميعها.
والثالث: أن نبطلهما جميعا أعنى الأقسام المخصوصة إلا واحد، ويكون إبطالها بدليل قاطع فحينئذ يقطع على صحة القسم الثاني إذ لو بطل لعاد على ما ثبت بالدلالة من أنه لا بد في المسألة من طريق وأنه لا طريق سوى ما حصرناه بالنقض والإبطال، وذلك لا يجوز، وهذه الطريقة حاصلة في مسألتنا فإنه قد ثبت أنه لا بد للمكلف من طريق إلى معرفة الله تعالى، وقد بينا أن الطرق إلى معرفة الله تعالى محصورة في أقسام، وأبطلنا جميع تلك الأقسام إلا واحد، وهو النظر والاستدلال، فثبت طريق السير وثبت الأصل الثالث وهو أن لا طريق للمكلفين إليها سواه.
وأما الأصل الرابع: وهو أن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه، فالكلام منه يقع في ثلاثة مواضع:
أحدها: في قسمة ما لا يتم الواجب إلا به.
والثاني: في حكاية المذهب.
والثالث: في الدليل على ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه.
صفحة ١١٦