الفصل الثالث عشر: عليك بحب الله
إخواني: الموت في طريق الطلب: خير من العطب في طريق البطالة، ما هذا؟! أدم السهر والصوم، وخل لأربابه طول النوم، وشمر في لحاق القوم، فإذا وصلت إلى دوائك: أنخت بجناب ﴿وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم﴾، وإن مت بدائك: فمقابر الشهداء ﴿في مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾ .
يا هذا: عليك بإدمان الذكر، لعل ذكرك القليل ينمي ذكره الجليل ﴿ولذكر الله أكبر﴾، أنا جليس من ذكرني.
لا تعجز عن حفر ساقية وإن ربت، فإنك إذ ألحقتها بساحل البحر فاض من ماء البحر إليها فصارت دجلة، أخلص في ذكرك لعله يذكرك.
روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه كان يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: حمدان، فقال ﷺ: «سيروا سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون لله كثيرًا والذاكرات» .
روى أبو الدرداء عن النبي ﷺ أن الله تعالى يقول: «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه» .
وقال أبو الدرداء: الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله تعالى يدخل أحدهم الجنة وهو
يضحك.
يا هذا: من علامات المحب انزعاجه عند ذكر محبوبه.
لو أحببت شخصًا من أهل الدنيا فسمعت باسمه لا نزعج باطنك، أما سمعت أن مجنونًا أحب مخلوقًا فلما ذكر انزعج، فقال:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد ولم يدر
دعا باسم ليلي غيرها فكأنما ... أطار بقلبي طائرًا كان في صدري
وهذا ذكر الله يتلى عليك وما تتغير، وكم تسمع من أوامره ونواهيه ولا تتدبر، وقد يسره الكريم على من اجتهد فيه، وما عسر، وكم من نظر فيه حقيقة النظر وتبصر، وعمل ما أمره وترك ما نهى عنه في العمل والقول وتحرر، وكلما نظر في عمله رأى أنه مقصر فيه تفكر، لا يلتذ بطعام ولا شراب ولا نوم إلا ذكر وتذكر، أما سمعت قوله في الكتاب العزيز مسطرًا إخبارًا عنهم في ذكرهم له قولًا بليغًا مفسر: ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم﴾ ﴿والصابرين على ما أصابهم﴾ فشكرهم على ذلك وستر، بأنه راض عنهم يوم تشقق السماء وتتفطر: ﴿ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر﴾ ويبقى العاصي نادمًا على تفريطه محسر، مثقل بحمل خطاياه وفي ذيل ذنوبه معثر، فإذا دعى لقراءة كتابه رأى ما فيه من السيئات تحير ويرى غيره قد أمر به إلى النار مسحوب مجرجر، فيندم فلا ينفع، ويبكي فلا يسمع ولا يرحم، ولا يعذر، فالعذاب الشديد لمن كد وطغى وتجبر، ونصحتك، فالتوبة التوبة.. فعسى بعد الكسر تجبر، فهو المعين لمن لجأ إليه، فله الحمد على ما قضى وقدر.
1 / 93