وإن كانت خلافية، ولكنها في غاية الإشكال، وإن قلنا بها في غيرها؛ لعدم جريان الضابط - الذي قررناه في محله (1) - لإثبات الحقيقة الشرعية نوعا في خصوص هذه اللفظة؛ إذ لم يثبت من الشارع الاستعمال في معنى مغاير للمعنى اللغوي ولو مجازا، بل لو استعمله في المعنى اللغوي لم يكن منافيا للمعنى الشرعي، بل غاية ما حصل من الاختلاف بينهما هو الاختلاف في مصاديق هذا المعنى؛ فإن " النظافة " عند أهل اللغة تصدق على شئ، وعند الشارع على شئ آخر مغاير له كشف عنه الأدلة الخارجية، ولا ريب أن الاختلاف في المصداق لا يوجب الاختلاف في أصل المسمى - كما أشرنا إليه سابقا - فحينئذ لو وجدنا " الطهارة " مستعملة في كلام الشارع حملناها على " النظافة "، ثم نراجع الأدلة الشرعية في استعلام ما يصدق عليه " النظافة " عند الشارع، كما أنه لو وجدنا " المطهر " مستعملا في كلام الشارع حملناه على المنظف، فنراجع الأدلة الشرعية لمعرفة ما يصدق عليه " التنظيف " في نظر الشارع، ومعه لا داعي إلى التزام النقل الشرعي، كما هو لازم القول بثبوت الحقيقة الشرعية، مع كونه في حد ذاته مخالفا للأصل.
نعم، يمكن دعوى الحقيقة الشرعية في خصوص " طهور " بإزاء المطهر، لا لأجل ضابطنا المقرر في محله، بل بملاحظة كثرة ما استعمله الشارع في هذا المعنى، كما يكشف عنه روايات كثيرة.
منها: قوله (صلى الله عليه وآله): " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (2).
ومنها: " أيما رجل من امتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض، لقد جعلت له مسجدا وطهورا " (3).
ومنها: قوله - وقد سئل عن الوضوء بماء البحر -: " هو الطهور ماؤه " (4).
ومنها: ما عن الصادق (عليه السلام) " كان بنوا إسرائيل إذا أصابتهم قطرة من بول، قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع الله عليكم بما بين السماء والأرض، وجعل لكم الماء
صفحة ٤٠