وما ذكر من الأولوية الاعتبارية بمجرده لا يصلح لذلك بعد قيام احتمال معنى غير موجب له، ومرجعه إلى أن الاحتمال ولو ساعد عليه الاعتبار لا يعارض أصالة الحقيقة.
وأما عدم جواز الوصف على المعنى الاسمي بدون التجرد، فقد يعلل: بكونه من جهة جمود اللفظ بهذا المعنى، وهو أيضا ليس بسديد؛ فإن أسماء الآلة يعد عندهم كأسماء المكان والزمان من المشتقات الاسمية، فكيف يلائمه الحكم على " الطهور " بالجمود.
فالأولى إرجاع ذلك إلى قاعدة التوقيف، نظرا إلى أن الأوضاع مجازية أو حقيقية، شخصية أو نوعية، إفرادية أو تركيبية، لا تتلقى إلا من الواضع، ومن الأوضاع النوعية التركيبية توصيف شئ بشئ في الكلام، وهذا مما لم يثبت في خصوص أسماء الآلة، كما أنه لم يثبت في أسماء الزمان والمكان، والذي يفصح عنه إنما هو الاستهجان العرفي فيما لو أخذ شئ من هذه وصفا بلا ارتكاب تجريد كما لا يخفى.
ثم العجب عن شيخ الحدائق (1) وسيد الرياض (2) أنهما تعرضا لذكر احتمال إرادة المعنى المذكور، وظاهرهما الارتضاء به ، بل ظاهر الثاني الاعتماد عليه، مع أنه تنبه على ابتناء ذلك على التأويل المذكور.
ومنها: ما يظهر عن المدارك (3) من ابتناء ذلك على ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ " طهور " للمطهر - كما أشرنا إليه آنفا - وظاهره أنه لا خصوصية للفظ " طهور " في تلك الدعوى، بل الحقيقة الشرعية لو كانت ثابتة فيه فإنما هو لثبوتها في مبدأ اشتقاقه وهو الطهارة، كما أشار إليه قبل ذلك عند شرح " الطهارة " لغة وشرعا، فقال - بعد ذكر معناها اللغوي -: " وقد استعملها الشارع في معنى آخر مناسب للمعنى اللغوي، مناسبة السبب للمسبب، وصار حقيقة عند الفقهاء، ولا يبعد كونه كذلك عند الشارع أيضا على تفصيل ذكرناه في محله " (4).
وهذه الدعوى في خصوص تلك اللفظة - بناء على القول بثبوت الحقيقة الشرعية -
صفحة ٣٩