الأرض عن الماء لما تأتي ذلك الغرض، هذا مضافا إلى ما عن القمي أنه روى في تفسيره عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: " هي الأنهار و العيون و الآبار " (1).
وبالثانية والثالثة: أنهما واردان أيضا في معرض الامتنان، فلولا جميع ما في الأرض من الينابيع وما يحصل به الشراب والشجر والزرع والنبات منزلا من السماء من أصله - وإن كان نابعا فعلا من الأرض - لما أعطى الله سبحانه بكلامه الغرض حقه، بل كان الامتنان في غير محله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وربما يتأمل في دلالة الآيتين، أو هما مع ما تقدم من الرواية في تفسير الآية الاولى، كما أشار إليه في الرياض (2)، آمرا به بعدما أوردهما عقيب الرواية المذكورة.
ولعل وجهه قصور الجميع عن إفادة تمام المطلب؛ فإن أعظم مياه الأرض إنما هو ماء البحر، ولا دلالة في شئ من ذلك على كونه من السماء.
ويمكن دفعه: بأنه إنما يتجه لو لم يكن ماء البحر نابعا من الأرض، وإلا فيرجع إلى عنوان " العيون " الوارد في الرواية والآية الاولى من الأخيرتين - ولو من جهة أصله - ولعله الظاهر، أو بأن ماء البحر على ما يشاهد بالحس ما يجتمع فيه من الأنهار العظيمة المخرجة إليه عن العيون والأمطار والثلوج، فلا يكون خارجا عنها، أو بأن المطلب يتم بملاحظة عموم الامتنان أيضا، إذ لو كان ماء البحر من نفس الأرض لما احتاج العباد إلى مياه السماء، فيكون الامتنان واردا في غير محله. فتأمل (3).
نعم، هاهنا مناقشة اخرى واردة على الثاني خاصة، وهي: أن لفظة " طهور " لا تقضي إلا بوصف الطهارة، والعمدة في المقام إنما هو إثبات المطهرية، وأصل هذه المناقشة عن أبي حنيفة (4)، فإنه منع عن دلالة الآية على كون الماء مطهرا، ومستنده إما
صفحة ٣٠