وقع القحط بنيسابور خصوصا، وفي سائر بلاد خراسان عموما، فهلك بنيسابور وأطرافها دون غيرها [من الناس] «4» مائة ألف أو يزيدون. وكم دفن منهم بأطمارهم لضيق الأكفان بهم، وعجز غسلة الأموات عنهم. كان الناس بين «5» غلام وشاب، وكهل وشيخ، وفتاة وعجوز، يتداعون الخبز الخبز، ويذوبون على أنفسهم حتى تغور عيونهم، وتجب للموت جنوبهم، ورعوا نبات الأرض حتى استحكم اليأس «6» الناس عن الزروع، وانقطعت الأطماع عن الريوع «7». وضاق بهم الأمر، فجعلوا يتتبعون رمام العظام على رؤوس الكناسات تعللا بها. ومهما ذبح قصاب ذبيحة اجتمع عليه «8» الفوج بعد الفوج يتقاسمون نجيعها بالكيزان والخزف تسكينا [177 أ] لحرة الجوع، واجتزاء به عن القوت، ولم ينل منه أحد إلا سقط لحينه، وجاد عن كثب بنفسه. وعهدي بهم يتتبعون سقاطات حب الشعير عن الأرواث، وهيهات. إن الشعير لأعيا الأنام فكيف البهائم والأنعام؟! ثم تراقى «9» الأمر إلى أن أكلت الأم ولدها، والأخ أخاه، والزوج زوجته. وظل بعضهم يختلس بعضا من شوارع الطرق إلى الخرابات، فيطبخ منه ما شاء من الپاچات «1».
وحرمت الأسمان على الناس لكثرة ما صهر عليها من لحوم البشر، فبيع في الأسواق.
وقبض على أقوام بلا عدد كانوا يغتالون السابلة، فيصهرونهم على هذه الجملة، ووجد في دورهم ما يغمر العد من رؤوس الناس قد أكلت لحومهم، وصهرت شحومهم. فأما الكلاب والسنانير فلم يبق منها إلا العدد اليسير. وهاب أوساط الناس وأرباب الحرف أن يخترقوا وقت العشاء محلة نائية «2» عن واسطة البلد، إلا في عديد، وسلاح حديد.
صفحة ٣٢٦