ولذلك السفر صورة رواية إشيل الفاجعة، بيد أن هذا الشاعر اليوناني لم يحلق طويل زمن في سماء عالية، ولا تجد أثرا، مهما سما، قد أبدى وحدة أتم مما في ذلك السفر.
وفي تلك الرواية المحزنة تجد خمسة أبطال: أيوب، وأصحابه الثلاثة، والرب.
ولا نتكلم عن أليهو الذي لم تعد جميع أقواله حد التحشيات التي دست بعد زمن كما هو ظاهر؛ وذلك تلطيفا لصبغة السفر الفاجعة التي يتكلف معها أليهو تكلفا مطلقا.
وأيوب هو الرجل الذي يألم ويسأل: لماذا؟ والأصحاب الثلاثة هم ممثلو المذهب الإسرائيلي المعروف الذي يزعم أن يهوه يكافئ الأبرار ويجازي الأشرار، وأن كل ألم يفترض ذنبا سابقا.
ولم يجد أيوب عسرا في إبطال ذلك المذهب، حتى إنه ذهب إلى أقصى العكس في سورة غضب، فقال موكدا: إن الأشرار وحدهم هم الذي ينعمون في هذه الحياة الدنيا .
فقد قال صارخا: «لماذا يحيا الأشرار ويشيخون؟ ولماذا يعظم اقتدارهم؟ نسلهم قائم وأعقابهم لدى أعينهم، بيوتهم آمنة من الفزع، وقضيب الله لا يعلوهم.»
ولما طال الحوار بين أيوب وأصحابه بما فيه الكفاية، بدا الرب وصرح بلهجة شعرية ممتازة أن الإنسان هو من شدة الجهل والضعف ما لا يستطيع معه أن يسأله، فلا ينبغي له أن ينفذ سر سبله.
ولم تكن نتيجة ذلك واحدة لا ريب، غير أنها النتيجة الوحيدة التي يمكن النفس الدينية أن تصل إليها، ألا إن علم الحياة والموت الأعلى أمر خفي علينا، ونستطيع أن نتكلم عنه على الدوام مع أيوب القائل:
أين توجد الحكمة وأين مقر الفطنة؟
العمر قال: ليست في. والبحر قال: ليست عندي.
صفحة غير معروفة