ويتضح سر المعجزة ويزول افتراض الوحي عندما ترى فاتحة التوراة في كتابات حكماء كلدة، التي هي أقدم من سفر الخروج بزمن طويل.
ومن الإصابة قول مسيو رينان: «لم يخترع الراعي البدوي تلك الأقاصيص الرائعة، بل أوجب نجاحها، ولم تكن الكونية الكلدانية لتعم العالم بشكلها الزائد الوارد في النصوص الآسيوية، فكان لا بد من القريحة السامية لتبسيط تلك الكونية في الوقت الذي أرادت النفس البشرية فيه مبادئ واضحة حول ما لا يعرف بوضوح، فغدت الغرائب التي كانت تظل مختنقة في حشويات الشرق من الأمور البديهية، وتمت هذه المعجزة بفضل خيال بني إسرائيل الجلي القانع، وما كان غريبا في تاريخ كلدة بدا في أقاصيص التوراة من الصحة والسهولة ما رأت فيه سذاجتنا الغربية تاريخا، معتقدة أنها إذا ما انتحلت هذه الأقاصيص قطعت صلتها بالأساطير الأولى.»
ولا تبصر الأساطير الكلدانية في سفر التكوين وحده، بل تجد آثارا لها في أسفار أقل قدما منها على وجه أقل وضوحا، ومن ذلك قصة شمشون التي وردت في سفر القضاة.
يمثل شمشون الهركول الإسرائيلي بقدرته الغريبة وأعماله التي كان ينجزها بوسائل بسيطة جدا، والواقع أن هركول من أصل بابلي، ويتجلى مثاله في نينيب المعروف، ذلك الإنسان الآشوري الأكادي العجيب الذي كان يقتل الأسد بيد واحدة ! ولم يكن اسمه شمشون مع ذلك، بل كان شمشون الذي معناه: «الشمس» أي نصف الإله الذي كان يوجد كثيرا على ضفاف الفرات.
وليس لدينا من الوقت ما نعرض فيه هنا ما أسفر عنه تفسير التوراة الحديث حول تلك المسائل، وإنما نقتصر على ذكر أمر اقتبسه اليهود من عبادات كلدة.
إن من الأقاصيص التي انتحلها بنو إسرائيل طوعا هي قصة تموز الإلهي ابن عشتار، الذي ذهبت الآلهة لتبحث عنه حتى سواء الجحيم.
وكان يمثل موت تموز الذي غدا أدونيس الإغريق نهاية الخريف، وكان ذلك الإله الجميل يموت في كل سنة ليبعث بعد كل شتاء، فإذا دل حر الصيف على فقده بكي باحتفال، فكانت النساء تقوم بالشعائر المأتمية نادبات طالعه.
ومما رواه حزقيال أنه كان في زمنه نساء تبكي تموز في معبد الرب.
ولنبحث الآن في صفات أهم آلهة بني إسرائيل وأخلاقها، وذلك من غير دخول في التفاصيل.
كان للآلهة، يهوه وبعل وعشيرا، طبائع وصفات خاصة بالسيارات والجو والشمس، كما كان لجميع آلهة كلدة.
صفحة غير معروفة