ولم يرتق اليهود إلى ما هو أعلى من درجة التطور الدنيا هذه التي لم تكن وحيدة في عاداتهم، ولم تكن سنة الإبراء عند اليهود إلا وجها مخففا من الشيوعية الابتدائية.
وفي كل تسع وأربعين سنة، أي ما يعدل أسبوع سنوات في سبع سنوات، كما كان يقول اليهود، كانت تفتح سنة الإبراء، وهي السنة الخمسون، فتترك الأرض بائرة فيها، ويحرر العبيد فيها، وفيها تسترد كل أسرة ميراث آبائها في الحصة التي أعطيت لأجدادها عند القسمة.
وإذا عدوت سنة الإبراء وجدت لدى اليهود سنة البطالة، وفي هذه السنة تؤجل الديون، وفيها يسترد الإسرائيليون الذين غدوا أرقاء بسبب فقرهم حريتهم؛ «لكيلا يكون بينكم فقراء» كما جاء في الشريعة.
ومن خلال ذلك تبصر الشيوعية القديمة المانعة من كل تقدم، والتي تود الاشتراكية الحكومية أن تسوقنا إليها، ومن المحتمل أن يجد الباحث في دوام تلك النظم الابتدائية أحد الأسباب التي حالت دون تقدم اليهودي في الصناعة والفن والثقافة.
وكان الاعتداء على المال يعد ذنبا عظيما، فيجازى مجترحه برد ضعفي قيمة المال المسروق أو ثلاثة أمثال قيمته، وقد يبلغ ذلك خمسة أمثال قيمته أو سبعة أمثال قيمته في بعض الأحيان.
وكان الفصل من المجتمع الإسرائيلي من أقسى العقوبات التي تفرض في غير حال؛ لما يتضمنه من الموت المدني، وكان الذي يحتمل هذا الجرم يخسر المنافع الثمينة التي يمن بها لقب الإسرائيلي عليه، ويخسر فوائد التضامن الذي كان ينتفع به أدنى شخص من ذرية يعقوب.
وتذكرنا حكومة العبريين على الدوام بالنظام الرعائي الخاص الذي يشاهد لدى جميع البدويين.
وحافظ الشيوخ، حتى في عهد الملوك، على كبير سلطان في كل مدينة.
وفي غضون القرون كان الشيوخ أو القضاة يتسلمون القيادة في زمن الحرب على غرار رؤساء العصابات البدوية.
حتى إن الملوك أنفسهم كانت لهم تلك المزية الأبوية أو العسكرية التي يشتق منها كل سلطان لدى بني إسرائيل، وما كان الملوك هؤلاء ليشابهوا عاهلي آسيا المتكبرين الذي هم ضرب من أشباه الآلهة، فلا يقترب منهم إلا بارتجاف، إلا بتعريض النفس للموت، وكان شاول وداود وسليمان نفسه، وجميع خلفائهم، يعيشون قريبين من الشعب بلا تكلف، ليني الجانب تجاه الجميع، معنفين من الأنبياء، مهانين بلا عقاب في بعض الأحيان، شأن داود الذي رجمه شمعي بالحجارة.
صفحة غير معروفة