[50]
عجيب قطع الجسور، وانتظم الناس من الجانبين جميعا ينظرون إلى زيادة الماء. فبينا أنا واقف، أقبل زورق والموج يخفيه مرة ويظهره أخرى، والناس يقولون: غرق غرق! نجا نجا! حتى دنا من الشط، فإذا عمارة بن حمزة وملاح معه في الزورق، وقد خلف دوابه وغلمانه في الموضع الذي ركب منه، فلما رأيته نبل في عيني، وملأ صدري، فنزلت، فعدوت إليه، وقلت. جعلت فداك! أفي مثل هذا اليوم! وأخذت بيده. فقال: أكنت أعدك وأخلف، يا ابن أخي، اطلب لي برذونا أتكاراه، فقلت له: فاركب برذوني، قال: فأي شيء تركب؟ قلت: برذون الغلام. فقال: هات، فقدمت إليه برذوني فركبه، وركبت برذون غلامي، وتوجه يريد أبا عبيد الله، وهو إذ ذاك على الخراج، والمهدي ببغداد خليفة للمنصور، والمنصور في بعض أسفاره، قال: فلما طلع على حاجب أبي عبيد الله، دخل بين يديه إلى نصف الدار، ودخلت معه، فلما رآه أبو عبيد الله قام من مجلسه، وأجلسه فيه، وجلس بين يديه، فأعلمه عمارة حال الرجل، وسأله إسقاط خراجه، وهو مائتا ألف درهم، وإسلافه من بيت المال مائتي ألف درهم، يردها في العام المقبل. فقال له أبو عبيد الله: هذا لا يمكنني، ولكني أواخره بخراجه إلى العام المقبل، فقال: لست أقبل غير ما سألت، فقال أبو عبيد الله: فاقنع بدون هذا، لتوجد لي سبيل إلى قضاء الحاجة، فأبى عمارة، وتلوم أبو عبيد الله قليلا، فنهض عمارة، فأخذ أبو عبيد الله بكمه وقال: فإني أتحمل ذلك من مالي، فعاد لمجلسه، وكتب أبو عبيد الله إلى عامل الخراج بإسقاط خراج الرجل لسنته، والاحتساب به على أبي عبيد الله، وإسلافه مائتي ألف درهم، ترجع منه في العام المقبل. فأخذت الكتاب وخرجنا، فقلت: لو أقمت عند أخيك ولم تعبر في هذا المد؟ فقال: لست أجد بدا من العبور، فصرت معه إلى الموضع، ووقفت حتى عبر.
صفحة ٨٨