142

الوعاء المرمري

تصانيف

وخرج من الباب حتى صار بين الجمع الذي ما زال يتهامس في البهو، ثم ألقى بالحمل الثقيل على الأرض، وأكب عليه يفتحه في حنق، ثم ضحك ضحكة جشاء وهو يدس يده في الكيس ويقبض قبضة ثم يصبها فيه ثانية. وصاح: إنه ذهب! إنه ذهب يبهر الأنظار المتطلعة.

وتعالت منه صيحات مجنونة قائلا: أيها الناس المتزاحمون هنا، إنه ذهب، فخذوا!

وأخذ يقبض القبضة منه وينثرها لا يبالي أين تتساقط. ومضى في صيحاته: أيها الأنذال البواسل الذين يتطاحنون من أجل الذهب، خذوا! إنه ذهب أيها العظماء الأذلاء، خذوا! أيها العبيد السادة، أيها السادة العبيد خذوا ! إنه ذهب. أيها الذين تبيعون أنفسكم، خذوا! إنه ذهب. ها هو ذا الذهب أيها الحكماء الحمقى، وأيها الجشعون المهذبون، وأيها الأوغال الظرفاء، خذوا جميعا، هذا هو الذهب فاملئوا به عيونكم وأسعدوا به عبوديتكم.

ووقف الناس يستمعون إليه ولا يفهمون ما يقول، وتزاحم كثير منهم على الذهب المنثور في دفعة شرهة، وجعلوا يلتقطون ما يتساقط منه في ضجيج وعنف، حتى أفرغ سيف ما في الصرة ووقف يتأمل الصراع العنيف من أجله، وضحكته المضطربة ترن فوق ضجتهم العالية.

وخرج من البهو كالأعمى يتصادم بالأقدام والصدور، حتى صار خارج القصر، ثم وقف يتأمل الطريق لا يدري أين يتجه. وإذا صيحة تعلو من ورائه في أصوات مختلطة وألفاظ لم يفهم منها شيئا سوى أنها حانقة، وامتدت إليه أيدي حراس القصر تعود به في غلظة نحو الإيوان، حتى وجد نفسه أمام كسرى، وكان ينظر إليه عابسا، وقال له على لسان وهرز: ماذا فعلت أيها البائس بجائزة الملك؟

وأحس سيف كأنه خرج من مأزق، واستعاد الأمل بعد أن كاد ييأس. فماذا يفعل به كسرى؟ أيقتله؟

وقال هادئا: وماذا أصنع بها أيها الملك؟

فقال الملك في دهشة: ألم يكن ذهبا؟

فاندفع سيف قائلا: كم من فقير يتلوى في هذه الساعة من الجوع أيها الملك، ولو وقعت في يده منه قطعة لطلعت عليه السعادة. ولكم تزاحم الواقفون عند بابك عندما نثرته عليهم وامتلئوا به غبطة.

فقال الملك غاضبا: أتسخر أيها الأعرابي؟

صفحة غير معروفة