كتابة الحديث النبوي في عهد النبي ﷺ بين النهي والإذن
الناشر
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
تصانيف
وقد علمنا من دين الله أنَّ على عباده مع إيمانهم بحفظ ما تكفَّل حفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذلك الشيء، وأنه لا تنافي بين الأمرين" (١) .
وبعد رَدِّ دليلَيْ القائل بأن النهي هو المتأخر فهو الناسخ، والإذن بالكتابة هو المتقدم فهو المنسوخ، وأحاديث الإذن هي الناسخة، فآخر الأمرين من رسول الله ﷺ هو الإذن بكتابة الحديث، ويؤيد ذلك ما يلي:
١- ما روي عن ابن عباس أنه قال: لما اشتد بالنبي ﷺ وجعه قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده".
فقد هَمَّ النبي ﷺ أن يكتب لأصحابه كتابا حتى لا يختلفوا من بعده، والنبي ﷺ لا يهم إلا بحق. فهذا منه ﷺ نسخ للنهي السابق في حديث أبي سعيد.
٢- رُوي من طرق مختلفة أن أبا هريرة قال: " ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله ﷺ مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب، استأذن رسول الله ﷺ أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له ". فاستئذان عبد الله بن عمرو من النبي ﷺ في كتابة الحديث يدل على أن الكتابة كانت منهيا عنها في أول الأمر، وقد أذن رسول الله ﷺ له بالكتابة لما استأذنه، ولا خصوصية لعبد الله بن عمرو، وعليه فيمكن أن يقال: إن رسول الله ﷺ لم يلتحق بالرفيق
_________
(١) الأنوار الكاشفة ٤٤.
1 / 38