كتابة الحديث في عهد النبي ﷺ بين النهي والإذن

ناصر بن إبراهيم العبودي ت. غير معلوم
64

كتابة الحديث في عهد النبي ﷺ بين النهي والإذن

الناشر

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة

تصانيف

الوقائع؛ ولما لم تكن السنة بهذه المثابة: لا ترتيب بين الأحاديث بعضها مع بعض، وليست بمعجزة، ولم يتعبدنا الله تعالى بتلاوة لفظها، وأجاز لنا تغييره ما دامت المحافظة على المعنى متحققة، سواءٌ أكان ذلك بنفس اللفظ الصادر عن رسول الله ﷺ أم بغيره، لأجل ذلك كله لم يأمر ﷺ بكتابة الحديث (١) . * ثالثًا: أنه ما إن توفي النبي ﷺ حتى كثر من يكتب الحديث من الصحابة والتابعين، حيث فهموا إذنه العام لكل من يرغب في ذلك ويقدر عليه، يدل عليه أنه قبيل وفاته أراد أن يكتب للمسلمين كتابًا لا يضلون بعده أبدا، فلم ير بذلك بأسًا بعد أن أمن اختلاط السنة بالقرآن (٢) . * رابعًا: أن تدوين الحديث الذي دعا إليه عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى– على رأس المائة الأولى، إنما كان المقصود به التدوين العام للأحاديث؛ ليكون هناك كتبٌ معتمدةٌ تُجمع وترتب فيها الأحاديث، ويتداولها عامة الناس، وليس هذا يعني أنّ الأحاديث لم تدوَّن من قبل، وهذا ما يرمي إليه الحافظ ابن حجر حين يقول: "إن آثار النبي ﷺ لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة ... " (٣)، وبدعوته هذه ينتهي الخلاف الذي وُجد عند الصدر الأول في كتابة الحديث،

(١) انظر: كتاب "توجيه النظر إلى أصول الأثر" لطاهر الجزائري ١: ٤٥، وكتاب "بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها" لعبد الغني عبد الخالق: ٤٣٦. (٢) انظر: كتاب: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" للدكتور الأعظمي ١: ٩٢، وكتاب "بحوث في تاريخ السنة المشرفة" للدكتور أكرم العمري ٢٩٤، ٢٩٦، فقد ذكر الأول أمثلةً كثيرةً للصحابة وكبار التابعين ممن توفي قبل المائة أو قريبًا منها، ولصغار التابعين ممن توفي بعد ذلك، ممن كتب الحديث أو كتب عنه، أو كان له صحيفةٌ أو كتاب. (٣) انظر: "هدي الساري مقدمة فتح الباري": ٦.

1 / 64