وجهة العالم الإسلامي
الناشر
دار الفكر معاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
١٤٣١هـ = ٢٠٠٢م / ط١
مكان النشر
سورية
تصانيف
التاريخي، فالعناصر الاجتماعية التي تسم الثقافات المختلفة ليست كلها قابلة للتداول.
وذلك ما استطعنا أن نلاحظه مثلًا في أمريكا عام ١٩٣٣، عندما فشل (تحريم الخمر)، فإن الأخذ المؤقت بنظام التحريم قد أحدث اضطرابا ًاجتماعيًا لا يقل في خطره مما أحدثه الإدمان ذاته من فساد، على حين قد سن القانون لعلاجه.
ومع ذلك فلا يمكن القول إن ضمير الأمة الأمريكية، أو طبيعة تكوينها، كان أحدهما أو كلاهما متعارضًا مع (نظام التحريم)، كما لا يمكن القول إن طبيعة الجاهلي كانت أكثر تهيؤًا في هذا الصدد، وإنما يرجع الفضل في نجاح الحظر في البلاد الإسلامية إلى أمر القرآن الذي سلكه في نفسية الجاهلية، وفي عوائدها.
وعليه فإن المجتمع الناشئ لا يمكنه تمثل العناصر الاجتماعية الجديدة التي يقتبسها إلا بشروط معينة، فإما حاجة ملحة، وإما أمر علوي.
والواقع أن المجتمع الإسلامي منذ نصف قرن لم يقدر هذه الشروط حق قدرها، فقبس من (أشياء) الغرب دون أدنى مقياس أو نقد، يحمله على ذلك أحيانًا نوع من الإكراه، وغالبًا كثير من النفج وفراغ العقل.
وكل ما يسوده من اختلاط وفوضى في الميادين الفكرية والخلقية أو في ميادين السياسة إنما هو نتيجة ذلك الخليط من الأفكار الميتة؛ تلك البقايا غير المصفاة، ومن الأفكار المستعارة؛ تلك التي يتعاظم خطرها كلما انفصلت عن إطارها التاريخي والعقلي في أوربا.
ففي المجتمع الأوربي مثلًا يدين الناس بالحكمة القائلة: «كل إنسان لنفسه، والله للجميع» تسمع ذلك في أحاديثهم وتلمسه في بعض سلوكهم ولكن التنظيم
1 / 81