أدركهم، ولا أذنبوا إليهم بذنب، ولا ظلموهم في مال، ولا دم ولا عرض، بل قد صاروا تحت أطباق الثرى وفي رحمة واسع الرحمة منذ مئتين من السنين. وما أحسن ما قاله بعض أمراء عصرنا، وقد رام كثير من أهل الرفض أن يفتنوه ويوقعوه في الرفض: " مالي ولقوم بيني وبينهم زيادة على اثنتي عشرة مائة من السنين ". وهذا القائل لم يكن من أهل العلم بل هو عبد صيره مالكه أميرا، وهداه عقله إلى هذه الحجة العقلية التي يعرفها بالفطرة، كل من له نصيب من عقل، فإن عداوة من لم يظلم المعادي في مال ولا دم ولا عرض، ولا كان معاصرا له حتى ينافسه فيما هو فيه، يعلم كل عاقل أنه لا يعود على الفاعل بفائدة.
هذا على فرض أنه لا يعود عليه بضرر في الدين. فكيف وهو من أعظم الذنوب التي لا ينجي فاعلها إلا عفو الغريم المجني عليه بظلمه في عرضه؟ {} . انظر عافاك الله، ما ورد في غيبة المسلم من الوعيد الشديد مع أنها ذكر الغائب بما فيه كما صح عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في بيانها لما سأله السائل عن ذلك ثم سأله عن ذكره بما ليس فيه جعل ذلك من البهتان، كما هو ثابت في الصحيح، ولم يرخص فيها بوجه من الوجوه.
وقد أوضحنا ذلك في الرسالة التي دفعنا بها، ما قاله النووي وغيره من جواز الغيبة في ست صور، وزيفنا ما قالوه تزييفا لا يبقى بعده شك ولا ريب، ومن يقي في صدره حرج وقف عليها، فإنه دواء لهذا الداء الذي هلك به كثير من عباد الله سبحانه.
فإذا كان هذا حراما بينا، وذنبا عظيما في غيبة فرد من أفراد المسلمين
صفحة ٢٧٩