شيء مما يخالف هذا المعيار فهو رد عليه، ولا يجوز لأحد أن يعتقد فيه أنه ولي الله، فإن أمثال هذه الأمور تكون من أفعال الشياطين، كما نشاهده في الذين لهم تابع من الجن. فإنه قد يظهر على يده ما يظن من لم يستحضر هذا المعيار أنه كرامة. وهو في الحقيقة مخاريق شيطانية وتلبيسات إبليسية.
ولهذا تراه يظهر من أهل البدع، بل من أهل الكفر وممن يترك فرائض الله سبحانه ويتلوث بمعاصيه. لأن الشيطان أميل إليهم للاشتراك بينه وبينهم في مخالفة ما شرعه الله سبحانه لعباده.
وقد يظهر شيء مما يظن أنه كرامة من أهل الرياضة وترك الاستكثار من الطعام والشراب على ترتيب معلوم، وقانون معروف. حتى ينتهي حاله إلى أن لا يأكل إلا في أيام ذوات العدد، ويتناول بعد مضي أيام شيئا يسيرا. فيكون له بسبب ذلك بعض صفاء من الكدورات البشرية، فيدرك ما لا يدركه غيره، وليس هذا من الكرامات في شيء. ولو كان من الكرامات الربانية، والتفضلات الرحمانية، لم يظهر على أيدي أعداء الله، كما يقع كثيرا من المرتاضين من كفرة الهند الذين يسمونهم الآن (الجوكية) .
وقد يظهر شيء مما يظن أنه كرامة على لسان بعض المجانين. وسبب ذلك كما ذكره الحكماء أنه قد ذهب عنه ما يصنعه الفكر من التفصيل والتدبير، اللذين يستمران للعقلاء. فيكون لعقله إدراك لا يكون للعقلاء، فيأتي في بعض الأحيان بمكاشفات صحيحة، وهو مع ذلك متلوث بالنجاسة مرتبك في القاذورات
صفحة ٢٣٨