وفوجئ الناس في 26 آذار بتبديل وزاري، وخلف رتازي الذي نبذه المعتدلون لوناي وهو من المحافظين من أهل صافو وكان معروفا بمعارضته للدموقراطيين، فحل لوناي المجلس وصدرت الأوامر بإجراء انتخابات جديدة، وفي أوائل أيار خلف لوناي دازجيلو وكان شعاره: «لا حرب ولا عار»، وأنه إذا خير بين الأمرين فإنه يرجح الحرب ولا يريد أن يضحي باللاجئين مهما كلف الأمر، واستمر على سياسة سلفه المعارضة ضد الأندية، وكادت المفاوضات التي جرت بعد الهدنة تنقطع بسبب الشروط الثقيلة التي فرضها النمسويون ورفض بيمونته إياها، وكانت النمسة عازمة على عقد الصلح على أية صورة بشرط أن ترضي حكومة فيكتور عمانوئيل الثاني بتعديل الدستور والاتفاق معها فتسلم بذلك من دفع غرامة حربية وتضم إيالة بارمه إلى بيمونته، إلا أن الملك ووزراءه لم يلبوا الطلب.
ولما طالبت النمسة بغرامة حربية تبلغ 230 مليونا من الليرات وحل اللجنة اللمباردية كان جواب «لوناي» لها أنه لا يفاوض ما لم يعلن الإمبراطور العفو عن رعاياه الطليان ويتخلى عن دعواه بالسيادة على دوقية لمبارديه، ولما رفض النمسويون هذه المطالب واحتلوا ألكسندرية قطعت الحكومة المفاوضات وطلبت توسط فرنسة وإنجلترة.
ولم يكن حينئذ تفاهم أوروبي على التدخل بين الغالب والمغلوب، وأراد لويس نابليون أن يعلن الحرب بعد حادثة نوفاره على أن يحتل إيالة صافويه ومدينة جنوة مكافأة له على صنيعه، ولكن حكومة بيمونته لم ترغب في دخول القطعات الإفرنسية في أرض بيمونته إلا في آخر لحظة.
ومع ذلك فإن دول الغرب قامت بمساع جدية في فينا، وكانت النمسة منهمكة في مشاكلها المالية وبالثورة الناشبة في هنغارية والبندقية، بحيث عجزت عن احتمال هذا الضغط، فأخلت ألكسندرية واستأنفت المفاوضات، وظل الفريقان عند رأيهما لأن دازجيلو كان لا يريد سلما لا تكون فيه ضمانة لحياة اللمبارديين.
وكان النمسويون يتوقعون قيام حركة رجعية في بيمونته، وفي شهر آب قررت وزارة فينا بضغط فرنسة منح عفو شبه عام وتخفيض الغرامة إلى 75 مليونا بشرط أن يتخلى الملك عن بيازنسه، ثم عرضت المعاهدة على المجلس المنتخب حديثا، وقد دلت الانتخابات على أن البلاد لم ترحب بوزارة لوناي، وكان أكثر النواب من الدموقراطيين رغم أن نواب العاصمة كانوا من المعتدلين والرجعيين.
وعليه فإن المجلس قد ورث الحرب عن النواب القدماء وبانتخاب «بارينو» لرئاسة المجلس أظهر النواب نياتهم، وكان الجميع يدرك بأن المعاهدة لا مناص منها ولا رغبة له في رفضها، ومع ذلك فإن النواب عدوا بعض موادها مخزية؛ لأنها وإن كانت تصون أرض بيمونته إلا أنها تحول دون المطالبة بالتوسع، وحاول عبثا بالبو إقناع المجلس المجلس بقبول المعاهدة باحتجاج صامت، وكان العفو قد استثنى ما يقارب مائة شخص من اللمبارديين والبندقيين وكان المجلس يخشى مطالبة النمسة بتسليمهم إياها، وكان المجلس قد أقر اقتراحا بمنح الجنسية لجميع الطليان المولودين في حدود الدولة البيمونتية، ومع أن الوزراء كانوا قد اشتركوا في التصويت لهذا الاقتراح إلا أنهم أوقفوه في مجلس الأعيان ووافق المجلس في شهر تشرين الثاني على قرار بأكثرية ضعيفة يقضي بتأجيل تصديق المعاهدة حتى يضمن مصير اللاجئين.
فأدى فشل الوزراء إلى أزمة أخذت تتهدد الموقف، ولو كان الحزبان المعتدل والدموقراطي على وفاق لأصبح من السهل التفاهم بينهما على حل قضية اللاجئين، إلا أن الاختلاف بينهما كان خطرا يتناول المعنى والشكل، ورغم أن رئيس الوزراء رفض توقيف الدستور عملا بتوصية بنيلي وريفيل؛ فإنه أصدر إرادة ملكية بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة، وليس في هذا الأمر ما يمس الدستور، إلا أن ما ورد في الإرادة من تعابير تهاجم الأكثرية وتهدد باستعمال الشدة إذا لم ينتخب مجلس ملائم ينافي روح الدستور، فلم يبق أمام أحرار إيطالية إلا الاحتفاظ بالدستور.
حقا إن السنوات العشر التي مرت بتاريخ بيمونته هي تاريخ إيطالية وإن الموقف الحازم الذي وقفته بيمونته في مفاوضات السلم بشأن الجنسية الإيطالية وثباتها في القضية الدستورية؛ جعلا الأمة الإيطالية تنظر إليها نظرة إكبار، وتعتبرها الدولة المجاهدة الباسلة.
ومما قاله «كافور» في مفتتح خطابه في أثناء المذاكرة حول قوانين «سيكاردي»: «على بيمونته أن تجمع حولها جميع قوى إيطالية الحية وأن تقود أمتنا نحو الغايات السامية التي خلقت لأجلها.»
وكانت تورينو قبل هذا وطنا لأبطال الثورة الذين أقصوا عن بلادهم، وقد زاد عددهم في المدن الكبيرة حتى قيل إنهم بلغوا نحو خمس نفوسها، وقد جلبوا لبيمونته حياة وحرية جديرتين وجهزوها بعدد من أقدر المفكرين المشبعين بالروح الإيطالية، أمثال المؤرخين فاريني ولافارينا وسكيالوجيا والاقتصادي ممياني وتوماسيو وغيرهم من علماء وراء الطبيعة، وفريق من أنبل أشراف اللمبارديين والدموقراطيين أمثال كوردوفا وكريسبي من صقلية وكورانتي من ميلانو.
صفحة غير معروفة