وقد كان لفشل النمسة هذا استحسان عظيم لدى الرأي العام، ولما اشتد التوتر ولاح شبح الحرب، تراجع الملك وارتأى أحد الوزراء حل الخلاف بالطرق السلمية، على أن يكون قيصر روسية الحكم في حسم الخلاف.
ومما يجدر ذكره أن الملك أصلح التعليم الأولي، وشجع وزير المعارف على القضاء على الثقافة الإكليريكية في تورينو رويدا رويدا، وكان يتصل بالأحرار المعتدلين الذين يرغبون في الحرية الاجتماعية ويشاركونه في مناوأة الحركة الدموقراطية، ولا يهتمون إلا قليلا بالحقوق الدستورية.
الفصل العاشر
بيوس التاسع
أيار سنة 1846-كانون الأول سنة 1847
مات البابا جرجوار في صيف سنة 1846، وانتخب محله بيوس التاسع، الذي كان يظهر عطفه على الأحرار مع أنه كان حاميا لليسوعيين، وكان مطلعا على كتب المعتدلين، مبديا كرهه للاضطهاد السياسي، ولعله كان يتوفق في مهمته رئيسا للممتلكات الكنيسية لو أتى في زمن أكثر هدوءا من زمنه وكان مثقفا، حر الفكر، متحليا بعقل نافذ إلا أنه كان ضعيف الإرادة متردد الرأي يخشى المسئولية، تلك كانت صفات الرجل الذي سوف يتوقف عليه مصير البابوية.
وكان قد ورث حقد روما التقليدي على النمسة، فأول ما فكر فيه إزالة جميع مساوئ الحكم السابق، فجعل التجارة حرة، ووعد بمساعدته المؤتمرات العلمية وعين لجنة للسكك الحديدية، وعفى عن جميع الموقوفين السياسيين فكان لكل ذلك وقع حسن في أنحاء إيطالية، وأثار الحماسة في نفوس الأحرار الذين تشبعوا بأحلام جيوبرتي واعتبروه المصلح المنتظر حتى إن الموسيقار روسيني وضع أغنية خاصة به، ولما عاد المنفيون جماعات وحضروا القداس اعتبر الناس هذا رمزا لعهد جديد تتصافح فيه أيدي الحرية والتجديد الاجتماعي وأيدي الدين والإصلاح.
سارعت مدينة بولونيه إلى تقديم رمز مصالحتها مع روما، وزالت الرقابة التجارية وتم الصلح بين الشعب والشرطة، وانقلبت النقابات في الروماني إلى جمعيات وتبرعت بمبالغ كبيرة لتأسيس المدارس، وقد رأى الملك شارل ألبرت في شخص البابا الجديد الرجل المصلح الذي يشجع الآمال إلى أقصى حد، فارتاح ضميره وهو الرجل المتدين لأنه سوف يسير في الطريق الذي يسلكه رئيس الكنيسة.
ولما هددت النمسة باحتلال الروماني رأى شارل ألبرت أن من واجبه الديني والقومي أن ينتصر لبيوس التاسع ويحميه من عدوان النمسويين، فصرح بما يلي: «إذا حاولت النمسة أو مملكة نابولي التوغل في دويلات الكنيسة فسأهتف بصرخة الاستقلال والدين.» وقد ألهب هذا التصريح نفوس كثير من الأغنياء والطبقة المتوسطة في بيمونته ووعدوه بالمساعدة.
ولما اجتمع المؤتمر العلمي في جنوة بعد هذا التصريح ببضعة أيام أخذ الأعضاء يتذاكرون كأنهم في قاعدة البرلمان، ويتداولون في استقلال إيطالية وحريتها وبعثها حتى إنه سار شوطا بعيدا في مذاكرته، وقرر أن يحتفل أهل جنوة بعيد رأس تحرير المدينة من النمسويين فتوجهت الأنظار إلى المستقبل القريب الذي تطرد فيه ميلانو وفنيسيه الأجنبي منهما، وكان من أمر ذلك أن امتدت شعلة الحماسة على طول جبال الأبنين في طوسكانه والروماني واشتد الكره ضد النمسة.
صفحة غير معروفة