Guerrazi »
4
المحامي في ليفورنة، وكان هذا الكاتب كالآخرين يقتبس رواياته التمثيلية ومسرحياته من الحوادث العظيمة التي جرت في إيطالية في القرون الوسطى، وكانت كتاباته الشديدة تنبعث من قلب كريم، ناقم على الاضطهاد، وينبعث من بين سطورها صوت النفير، يؤذن بموعد القيام والقتال.
وعلى الرغم من أن مازيني كان من أنصار الرومانتيكية فإنه لم يقصر في انتقاد الرومانتيكية الإيطالية، وكان يرتئي أن تصبح الحركة الرومانتيكية بأجمعها وطنية إيطالية، فالفروق إذن بين مانزوني ومازيني أن الأول كان يعتقد بالإصلاحات السياسية إنما تتم بإصلاح الفرد ولكن الثاني كان يرى عكس ذلك ويقول بأن إصلاح الفرد دائما نتيجة للإصلاحات السياسية؛ ولذا فهو يود أن تكون الرومانتيكية ساحة قتال للحرية وللاستقلال.
وهكذا صارت الرومانتيكية موضع نقاش تتفرع منه مدرستان حرتان في السياسة الإيطالية، وكانت في الوقت نفسه بشيرا بتكوين إيطالية الفتاة والوطنية المعتدلة، إلا أن تأثيرها في مجال السياسة لم يظهر إلا قليلا؛ ذلك لأن مانزوني كان يرى أن الإصلاح الأدبي يحتاج إلى الزمن، أما مازيني فكان - إذ ذاك - مجهول الاسم في السياسة وكان الكاربوناريون لا يزالون يقبضون على ناصية الحركة الإصلاحية.
ولما فشلت الثورة في نابولي نقلوا مقرهم الأعلى إلى باريس، كعبة الدموقراطيين في أوروبا، ولم تبق جمعية الكاربوناري إيطالية لحما ودما فرغب رؤساؤها «لافابيت وببه والأمير لويس فليب» في تأسيس عصبة من الأمم اللاتينية تقف في وجه الحلف المقدس، وقد أضاعت الجمعية حماستها الأولى بعد أن أصبحت لا تمثل إيطالية وحدها بل فرنسة أيضا، وفقدت أهدافها الدينية والأخلاقية، وشعرت بأنها غدت أداة بيد رجال لا يتحمسون للدموقراطية إلا قليلا.
وعلى الرغم مما بين الكاربوناريين والرومانتيكيين من خلاف، فإن الحقد على النمسة كان يؤلف بينهم، وكانت حركات سنة 1820-1821 قد سوغت للنمسة الادعاء بضرورة مراقبة السياسة الداخلية لشبه الجزيرة، وجعلت نفسها بعد مؤتمر «لايباخ وفيرونه» الوصية التي اختارتها الدول لحماية العروش في إيطالية ضد الثورة، وساعدتها على ذلك الظروف السياسية في أوروبا حينذاك.
ثم شرعت تعمل على تقوية مركزها بعد أن أمنت من كل تدخل خارجي، فراحت قواتها تحتل نابولي وإنكونة، وأخذت تطالب بإلحاق طوسكانه إذا أصبح آل لورين بلا عقب، وأخذ عملاؤها من الجواسيس والكرادلة والضباط والقضاة يعملون في كل دولة لحسابها، وعلى الرغم من أن الملوك والأمراء في إيطالية كانوا يتهافتون على طلب المعونة من النمسة حين تنشب الثورة في بلادهم؛ فإن حماستهم كانت لا تتحمل مزاعم النمسة في أن يكون لها الحق في السيطرة عليهم، فأحبطت مساعي بيمونته وروما مساعي النمسة في تأسيس عصبة بريد مشتركة، وأخذ شارل فليكس ملك بيمونته وفرنسوا الأول ملك نابولي يدبران الدسائس لسحب جيوش الاحتلال، أما دوق مودينه فرسم خططه لتوسيع ممتلكاته لحساب النمسة ولقي في الكنيسة حليفا له.
وكانت جمعيات السانفيديست الدينية على اتصال شديد بجمعية «كلدويراري» في نابولي والجمعية الكاثوليكية في بيمونته، ومهما كان الرجعيون متعصبون فقد كانت الشمائل القومية تجعلهم ينظرون إلى النمسة شزرا، ويظهر أن ملك نابولي قد عقد نوعا من الاتفاق مع الكرادلة الزيلانتي في بلاط البابا، كما أنه اتفق في الوقت نفسه مع ملك بيمونته لتقسيم إيطالية مجددا تقسيما لا يرضي النمسة ولا أسرة لورين المالكة في طوسكانه، وفي سبيل ذلك أخذ يتقرب من الكاربوناريين ولا سيما فرع هذا الحزب من جماعة
Guelfi
صفحة غير معروفة