كان يقول رافعا ناظريه حين تذكر مارجريت عنوانا ما: «أوه، ألديك ذلك الكتاب؟ هل قرأته من قبل؟» «لا؛ لأن هذا الجزء من المكتبة كله جديد علي كما ترى. عجبا، يوجد هنا كتاب لم تفصل أوراقه عن بعضها حتى. لم يقرأه أحد. أهو كتاب جيد؟»
فيقول رينمارك آخذا الكتاب: «إنه من أفضل الكتب. نعم، أعرف هذه الطبعة. دعيني أقرأ لك فقرة منه.»
كانت مارجريت تجلس على الكرسي الهزاز بينما كان البروفيسور يفصل أوراق الكتاب الجديد ويجد مكان الفقرة المرادة. وبالطبع كانت فقرة واحدة تشير إلى أخرى وهلم جرا، وكان الوقت يمضي قبل أن يكتب عنوان الكتاب في القصاصة الورقية المناسبة. كانت هذه الانحرافات الجانبية إلى أغوار الأدب مثيرة جدا لاهتمام كلا خائضيها، لكنها كانت تتداخل مع عملية الفهرسة وتعرقلها . فكان رينمارك يقرأ باستغراق ودون توقف ليشرح نقطة ما، أو يقتبس ما قاله شخص آخر عن الموضوع نفسه، محددا موضع توقفه المؤقت عن القراءة في الكتاب بإدخال سبابته بين الصفحات. كانت مارجريت تتأرجح جيئة وذهابا في الكرسي الهزاز الوثير، وتصغي باهتمام محدقة بعينيها الداكنتين الواسعتين إليه بجدية شديدة كانت تجعله يرتبك للحظة بين الحين والآخر عندما كان يقابلهما بعينيه. لكن الفتاة لم تلاحظ ذلك. وفي نهاية إحدى أطروحاته، أسندت مرفقها إلى ذراع الكرسي واضعة وجنتها على يدها، وقالت: «أنت تجعل كل شيء واضحا للغاية يا سيد رينمارك.»
قال مبتسما: «أتظنين ذلك حقا؟ هذا عملي، كما تعرفين.» «أظن أن من العار حرمان الفتيات من الالتحاق بالجامعة؛ ألا تظن ذلك؟» «في الحقيقة لم أفكر في هذا الموضوع قط، ولست مستعدا تماما للإدلاء برأيي بشأنه.» «حسنا، أراه جائرا للغاية. فالجامعة مدعومة ماليا من الحكومة، أليس كذلك؟ فلماذا يحرم نصف السكان من مزاياها إذن؟» «يؤسفني القول إن التحاق الفتيات بالجامعات غير مقبول.» «لماذا؟»
فأجاب مراوغا: «توجد عدة أسباب.» «ما هي؟ أتظن أن الفتيات لا يستطعن التعلم، أو أنهن غير قادرات على المذاكرة بجد واجتهاد مثل ...»
فقاطعها قائلا: «الأمر ليس كذلك، يوجد الكثير من مدارس البنات في الريف، كما تعلمين. بل وتوجد بعض المدارس الممتازة في تورنتو نفسها لهذا الغرض.» «نعم، ولكن لماذا لا يحق لي الالتحاق بالجامعة مع أخي؟ يوجد الكثير من مدارس البنين أيضا، لكن الجامعة تبقى هي الجامعة. أظن أن والدي يسهم في دعمها ماليا. فلماذا إذن يسمح لأحد أبنائه بالالتحاق بها ويحرم الآخرون من ذلك؟ هذا ليس عدلا على الإطلاق.»
قال البروفيسور بحزم أكبر حين فكر مليا في الأمر: «هذا غير مقبول.» «هل ستعتبر ذلك سببا مقنعا إذا سمعته من أحد طلابك؟» «ما هو؟» «عبارة «هذا غير مقبول».»
ضحك رينمارك.
ثم قال: «لا مع الأسف، لكني على أي حال شخص شديد التدقيق في تعاملي مع الطلاب. والآن، إذا أردت أن تعرفي، فلماذا لا تسألين أباك؟» «لقد ناقشت مع أبي هذه المسألة مرارا، ويتفق معي تماما في أن ذلك الوضع جائر.»
قال رينمارك متفاجئا: «أوه، أيظن ذلك حقا؟» لكنه أدرك حين فكر قليلا أن الأب بالتأكيد لا يعرف سوى القليل عن أخطار المدينة مثل ابنته. «وما رأي والدتك؟» «أوه، أمي ترى أن الفتاة إذا كانت مدبرة منزل بارعة، فلا شيء آخر ينقصها. لذا سيتوجب عليك أن تعطيني سببا وجيها، إن وجد أصلا؛ لأنه لا أحد في هذا المنزل يؤيد رأيك في هذه المسألة.»
صفحة غير معروفة