بسم الله الرحمن الرحيم .
هذه وصية الشيخ الإمام العالم الحافظ البارع أبي عبد الله | محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المقرئ رحمه الله تعالى لمحمد بن | أبي الفضل رافع بن أبي محمد بن محمد السلامي :
يا وليد رافع ! اسمع أقل لك : أراك - والله - مثلي | مزجي البضاعة ، قليل العلم بالصناعة ، فلا أقل من الإقبال على | الطاعة ، ولزوم خمسك في جماعة .
وهل شيء أقبح من شاب يخدم السنة ولا يعمل | بها ؟ نعم ؛ آخر يبالغ في الطلب ، ويكتب عمن درج ودب ، |
صفحة ١٩
ثم لا يصلي ! فلا بارك الله في هذا النمط ! فإن هؤلاء ما | غوايتهم بالحديث إلا كغواية المصارع والساعي ولاعب الحمام ، | بل أولاء أعذر بالجهل .
وهذا المعثر يسمع الألوف من الحديث فيها الوعيد | والتهديد ، والعذاب الشديد ، ولا ينزجر ، بل ما أظنه يسمع | شيئا ، ولا يفهم حديثا ، لأنه إن كان قارئا بنفسه فبجهده أن | يتهجى الأسماء والمتون ، ويبدل ما يشير إليه ، وعينه إلى تنبيه | الشيخ تارة ، وإلى أمرد حاضر تارة ، وإلى إقامة الإعراب تارة ؛ | لئلا يخزى بين الحاضرين ، وإن كان غيره القارئ استراح ، فأنا | كفيل لك بأنه ما يسمع غير : ثنا قال : ثنا ، وصلى الله عليه | وسلم ، لكثرة دور ذلك .
صفحة ٢٠
فتراه إما يكتب الأسماء حال السماع ، فيبطل ويبطل ، أو | ينسخ في جزء ، أو يكتب طباقا ، أو يطالع في شيء ، وهذا | | أجود أحواله - ولا جودة فيها - أو بمكان - وهذا الأغلب - | يحدث جليسه ، ويمزح مع الصبيان الملاح ، فمتى يسمع هذا أو | يعقل أو يبصر أو يعني عنه الحديث شيئا ؟ ! .
صفحة ٢١
وأما قول وكيع : ' إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر | الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ؟ ! ' ، فهذا قاله في الصلاة | | المقارنة للذكر وهي النوافل ؛ أي : يقلل تشاغلكم بالنوافل ؛ | فانتهوا عن ذلك .
أما أن يصدهم عن الفرائض الخمس ؛ فحاشا لله ! ، هذا ما | كان في سيرهم قط ، إلا في أيام الجهاد وقبلها بمدة .
وهل يترك الصلاة محدث إلا وهو الرذالة الزبالة ، | أو إلى التعثر والضلالة ؟ !
فإن كمل نفسه بتلوط أو قيادة ، فقد تمت له الإفادة | وإن استعمل من العلوم قسطا ، فقد ازداد مهانة وخبطا ، وبذل | دينه لشيطانه ، وأدبر عن الخير ، فهل في مثل هذا الضرب خير ؟ | لا كثر الله مثلهم ، فما حظ الواحد [ من هؤلاء ] إلا أن | يسمع ليروي فقط . |
صفحة ٢٢
فليعاقبن بنقيض قصده ، وليشهرنه الله تعالى بعد أن ستره | مرات ، وليبقين مضغة في الألسن ، وعبرة بين المحدثين ، ثم | ليطبعن الله على قلبه ، وربما سلب التوحيد ، وطمع فيه | الشيطان ، فدخل في باطنه الخراب ، وشككه في الإسلام | والنبوات إلى أن يخسر الدنيا والآخرة ، نسأل الله العفو والستر .
فبالله يا أخي ثم بالله ، اتق الله في نفسك المسكينة ، ولا | تكن ممن أدخله طلب الحديث النار ، فما ارتفع رافع إلا | بالتقوى ، والخير ، وملازمة الآداب النبوية .
صفحة ٢٣
فإن قبلت نصحي ، فما أولاك بالخير والتوقير ، وإن | أعرضت كإعراضك عن وصية الإله العظيم ، فتبا لك سائر | | الدهر ؛ فإن الله يقول - وهو أصدق من قال ، وأرحم من أمر ، وأعلم | من أوحى ، وأكرم من هدى ، وهو أشفق علينا من أنفسنا - ^ ( ولقد | وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) ^ .
فبالله ؛ قل لي : هل يكون طالب من خدام السنة | يتهاون بالصلوات ، أو يتعانى تلك القاذورات ؟ لا والله ، ولا هو | ممن اتقى الله .
وأنحس من ذلك كله محدث يكذب في حديثه ، ويختلق | الفشارات ، فإن ترقت همته المقيتة إلى الكذب في النقل ، | والتزوير في الطباق ، فقد استراح ، وطرس الطلبة على اسمه | ورسمه : صورة ومعنى . |
صفحة ٢٤
وإن تعانى سرقة الأجزاء ، أو كشط الأوقاف ، فهذا لص | بسمت محدث ، وإن جعل الطلب له مأكله ودكانا ، فالأعمال | بالنيات ، ولا قوة إلا بالله .
فاقرأ كتابك كفى بنفسك عليك حسيبا ، وأعوذ بالله أن | أكون قد ضيعت الزمان في نعت بطلة الطلبة ، أبلاهم الله بالغلبة .
فافتح عينك ، وأحضر ذهنك ، وأرعني سمعك ، فإن | انتفعت وعقدت مع الله عقدا ، فقد توسمت فيك الخير ، وإن شردت | وركبت الإعراض والكسل مثلي ، فواحسرتا علي وعليك .
صفحة ٢٥
فثمة طريق قد بقي لا أكتمه عنك ، وهو كثرة الدعاء ، | والاستعانة بالله العظيم في آناء الليل والنهار ، وكثرة الإلحاح | | على مولاك بكل دعاء مأثور تستحضره أو غير مأثور ، وعقيب | الخمس ، في أن يصلحك ويوفقك .
والزم - ولا بد - آية الكرسي في دبر الصلوات المفروضة ، | وأكثر الاستغفار والأذكار ، والزم الصدق المفرط عن كل بد في | كل شيء ، ولا تستكبر ، ولا تكن ممن يستكبر بما علم ، فإنك | جاهل خبل . | فداوم - بالله - [ على ] التواضع الزائد ، والمسكنة | للمسلمين إلا الفاسقين منهم ، وأحب لله ، وأبغض في الله ، وثق | بالله ، وتوكل على الله ، وأنزل ضرورتك بالله ، ولا تستغن إلا | بالله وأكثر من : ' لا حول ولا قوة إلا بالله ، ومن الصلاة على | رسول الله [ & ] تسليما كثيرا دائما أبدا .
انتهت الوصية قوبلت .
صفحة ٢٦