والثاني: أن يكون عهد الله الذي أخذه من بني آدم يوم الميثاق حين قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] ثم مجدوا ونقضوا ذلك العهد فِي حال كمال عقولهم.
وهذا قول ابن عباس فِي رواية عطاء.
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [البقرة: ٢٧]: الميثاق: ما وقع من التوثيق، والكتاب أو الكلام الذي يستوثق به: ميثاق.
والكتابة فِي الميثاق يجوز أن تكون عائدة على اسم الله، أي: من ميثاق الله ذلك العهد بما أكد من إيجابه عليهم، ويجوز أن تعود على العهد، أي: من بعد ميثاق العهد وتوكيده.
وقوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [البقرة: ٢٧] يعني الأرحام، وذلك أن قريشا قطعوا رحم رسول الله ﷺ بالمعاداة معه.
وقيل: هو الإيمان بجميع الكتب والرسل، وهو نوع من الصلة، وهو قول ابن عباس، قال: يريد الإيمان بجميع الأنبياء، من لدن آدم إلى محمد ﷺ، بخلاف قول الكفار: ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾ [النساء: ١٥٠]، فالمؤمنون وصلوا بينهم بالإيمان بجميعهم فقالوا: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] .
وقوله: ويفسدون فِي الأرض: قال ابن عباس: يحكمون بغير الحق.
وقال غيره: يفسدون فِي الأرض بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ.
أولئك هم الخاسرون بفوت المثوبة، والمصير إلى العقوبة.
وأصل الخسران فِي التجارة، وهو نقصان رأس المال، ويقال فِيهِ: الخسارة والخسر هذا هو الأصل، ثم قيل لكل صائر إلى مكروه: خاسر.
لنقصان حظه من الخير.
وقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨]: كيف فِي الأصل: سؤال عن حال، لأن جوابه يكون بالحال كما تقول: كيف زيد؟ فيقال: صالح، أو سقيم.
قال الزجاج: تأويل كيف ههنا: استفهام فِي معنى التعجب، والتعجب إنما هو للخلق والمؤمنين، أي: أعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون بالله وقد ثبتت حجة الله عليهم!!