القول الثاني: أنك إذا قلت: فعلته لوجه زيد.
كان أشرف في الذكر من: فعلته له.
لأن وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه، ثم كثر حتى صار يدل على أشرف الذكر من غير تحقيق وجه، ألا ترى أنك تقول: وجه الدليل، ووجه الرأي، ووجه الأمر.
فلا تريد تحقيق الوجه، وإنما تريد أشرف ما فيه من جهة شدة ظهوره وحسن بيانه؟ قوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] يوف لكم جزاؤه، والتوفية: إكمال الشيء، قال ابن عباس: يجازيكم به في الآخرة.
وإنما حسن إليكم مع التوفية، لأنها تضمنت معنى التأدية، ﴿وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٢] لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا، كقوله: ﴿آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣] يريد: لم تنقص.
كقوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] الآية، قال ابن عباس في رواية الكلبي: هم أهل الصفة، صفة مسجد رسول الله ﷺ، وهم نحو من أربع مائة رجل، لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يأوون إليهم، فجعلوا أنفسهم في المسجد وقالوا: نخرج في كل سرية يبعثها رَسُول اللَّهِ ﷺ في سبيل الله.
فحث الله الناس على الصدقة عليهم، وكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى.
واللام في قوله: للفقراء متعلق بمحذوف، وتأويله: هذه الصدقات أو النفقة للفقراء، وقد تقدم ما يدل عليه لأنه سبق ذكر الإنفاق والصدقات.
قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: عاقل لبيب، إذا تقدم وصف رجل.
والمعنى: الموصوف عاقل لبيب.
وقوله: ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] تفسير الإحصار قد تقدم عند قوله: فإن أحصرتم قال قتادة: صبروا أنفسهم في سبيل الله، أي: في طاعته للغزو، فلا يتفرغون إلى طلب المعاش.
وقال سعيد بن المسيب: هؤلاء قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله ﷺ وصاروا زمني، فأحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في الأرض.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: هؤلاء قوم من المهاجرين حبسهم الفقر عن الجهاد في سبيل الله، فعذرهم الله فقال: ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] يريد: الجهاد.