الوسيلة إلى نيل الفضيلة
صفحة ٣٩
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: حمدا لله الكريم الآلاء، العظيم النعماء، والصلاة على نبيه محمد خاتم الأنبياء وسيد الأولياء، وعلى آلة سادة الأتقياء، الأئمة الهداة النجباء.
فأني أوصيك يا بني بتقوى الله، والاعتصام بحبله، والتمسك بطاعته، والتحرج عن معصيته، والإخلاص في العمل بما يرضيه، والتوفر على التفكر فيما يزيد في معرفتك ويقينك، وبعينك على أمور معادك ودينك، ويمنعك عن التورط في الشبهات، ويردعك عن التميل إلى الشهوات، ويزعك (1) عن ركوب المحارم، ويكبحك عن التسرع إلى المآثم. وإياك وغفلة الاغترار، وفترة الإصرار، وعليك بالاستعانة بالله سبحانه على أمور دينك ودنياك، فإنك إن توكلت عليه كفاك.
وعليك بتلاوة كتابه في آناء ليلك ونهارك، وحالتي استقرارك وأسفارك، فإن ذلك شفاء لما في الصدور، ونور يوم النشور، ونجاة يوم تزل فيه الأقدام، وتقضي فيه الأحكام وعليك بالعمل بما فيه، والتنبه على ما في مطاويه، فإنه (شافع
صفحة ٤١
مشفع، أو ماحل (1) مصدق " (2).
وعليك بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله فإنها جلاء القلوب، واستراحة الكروب، وعليك بما سن لك الأئمة الهداة. فإنهم إلى الجنة الدعاة.
ومن النار الحماة.
وعليك بسيرة الصالحين. والاقتناص من شواردهم. والاقتباس من فوائدهم.
والاشتغال بنفسك عن غيرك. والتوفر على الإكثار من خيرك. وليكن ما تعرف من نفسك شاغلا لك عمن سواك. فتحمد منقلبك ومثواك. وعليك بالإكباب على طلب العلوم، فإنه أرجح ميزانا، وأنجح أمرا وشأنا. وليس يمكنك البلوغ إلى نهايته والوصول إلى غايته فعليك بما هو أكثر فائدة، وأغزر عائدة، وأعود عليك في أولاك، وأخراك ودنياك. وعقباك.
وعليك بالفقه، وعليك بالفقه، وعليك بالفقه. فإنه شرف لك في الدنيا، وذخر لك في الآخرة. ولن يتيسر لك ذلك إلا بحسن السيرة، ونقاء الجيب، وطهارة الأخلاق، والتوقي من العيب، وإقامة دعائم الإسلام. والإذعان لقواعد الأحكام والتعظيم لأمر الله، فإن الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثا، ولم يتركهم مهملا، بل خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وعلم ضمائرهم وخبر سرائرهم، وأحصى أعمالهم، وحفظ أحوالهم. واحتج عليهم بإرسال الرسل، مبشرا ومنذرا (3) وبإنزال الكتب آمرا ومخبرا وداعيا، وزاجرا ولله الحجة البالغة، والنعمة السابغة، وله الحمد على نعمه. والشكر على فيض كرمه. حمدا وافيا، وشكرا كافيا، ثم إني رأيت أن أجمع لك كتابا في الفقه لتحفظه على ترتيب يسهل على
صفحة ٤٢
المتيقظ الشروع في التحفظ. وقد بينته على بيان الجمل وحصرها. ونظم العقود ونثرها، وانقسام أبوابه على التمييز بين الواجب والمندوب، والمحظور والمكروه.
والفعل والترك، والكيفية والكمية. على وجه لا يلحقه خلل، ولا يبلغ طالبه ملل، وقد سميته ب " الوسيلة إلى نيل الفضيلة " مستمدا من الله تعالى التوفيق على الإتمام. والتيسير (1) لدرك المرام. وأن يجعل ذلك خالصا لرضاه، فإنه لا يضيع مع استكفاه، ولا يخيب من رجاه. وهو أكرم مسؤول، وأفضل مأمول.
صفحة ٤٣
كتاب العبادات العبادات (1) الشرعية ضربان:
أحدهما: يجب على الإطلاق على المكلف، مثل الصلاة.
والثاني: يجب عند شروط مثل الزكاة، والصوم، والحج. والجهاد، فإن الزكاة تجب عند حصول المال على ما سنذكره، والصوم بشرط الصحة والإقامة أو حكمها (2) والحج بشرط الاستطاعة. والجهاد بشرط الحاجة، والاستطاعة، وغيرهما (3).
ولها مقدمات لا تصح من دونها، وهي ضربان:
أحدهما غير تابع لها مثل الإسلام، فإن العبادة لا تصح بدون الإسلام بل هو أصل في العبادات.
والثاني تبع لها. وإن لم تصح من دونه. وهو الطهارة فإنها شرط في صحة الصلاة، والطواف المفروض، أو في الفضيلة في مثل دخول المساجد، وقراءة
صفحة ٤٤
القرآن، والسعي بين الصفا والمروة. فتقدم السلام شرط في صحة جميع العبادات وتقدم الطهارة شرط (1) فيما ذكرنا. وللصلاة مقدمات أخر سنذكرها إن شاء الله تعالى.
فصل في بيان أقسام العبادات عبادات الشرع عشر: الصلاة، والزكاة، والصوم. والحج. والجهاد، وغسل الجنابة. والخمس، والاعتكاف، والعمرة، والرباط.
صفحة ٤٥
كتاب الصلاة للصلاة مقدمات لا تصح من دونها. وهي ستة عشر شيئا:
الطهارة، ومعرفة الوقت، والقبلة. وعدد الفرائض، وستر العورة. ومعرفة ما يجوز الصلاة فيه من الثياب أو المكان، وما يجوز السجود عليه، وتطهير البدن والثوب (1) وموضع السجود من النجاسة: ومعرفة النجاسات - ليتمكن من الاحتراز عنها - ومعرفة ما يتطهر عنه أو له (2) ومعرفة ما يطهر ، وكيفية التطهير.
وأما الأذان والإقامة، فمن شروط فضل الصلوات الخمس دون الصحة.
فصل في بيان الطهارة للطهارة مقدمات تنقضها وتوجبها، فيجب بيان المقدمات. وما يترتب عليها
صفحة ٤٦
ببيانها، وهي تنقسم قسمين: واجب. وندب.
فالواجب ثلاثة أنواع: فعل، وكيفية وترك.
فالفعل ثلاثة أشياء: الاستنجاء والاستبراء، وغسل مخرج البول بالماء إذا وجد.
والكيفية أربعة:
تنقية موضع النجو بالماء حتى تزول العين والأثر، أو بالحجارة حتى تزول العين.
والمسح عن (1) عند مخرج النجو إلى أصل القضيب بالأصبع في الاستبراء ثلاث مرات. ونتر القضيب بين الإبهام والسبابة ثلاث مرات.
والاستجمار (2) بأبكار الحجارة. أو بما يزيل العين. سوى ما يؤكل.
ووضع الحجر على موضع النجاسة لإزالتها. فإن زالت النجاسة بواحدة استعمل تمام الثلاثة سنة. وإن لم تزل بثلاثة استعمل حتى تزول فرضا، فإن تعدت (3) النجاسة عن الموضع لم يجز غير الماء إذا وجد.
والترك ستة أشياء: استقبال القبلة في حال الخلاء. واستدبارها مع الإمكان، واستعمال المستعمل من الأحجار. والحجر النجس. والاستجمار بماله حرمة من المأكولات، واستعمال الخرقة من وجهين إذا نشفت.
والندب ثلاثا أشياء: أدب، وذكر، ومكروه.
فالأدب عشرة: الاستتار. وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج. وتغطية الرأس، والجلوس للحدث على موضع مرتفع، والجمع بين
صفحة ٤٧
الحجارة والماء في الاستنجاء. وتقديم الحجر على الماء أو الاقتصار على الماء.
والاستجمار بما يزيل العين، والاستنجاء باليسار، والمسح باليد على البطن بعد ما قام عنه. ونزع الخاتم من اليسار إن كان عليه اسم معظم أو فصه حجر له حرمة.
والذكر ستة، الدعاء عند دخول الخلاء. وعند الاستنجاء وعند الفراغ منه، وعند الخروج من
صفحة ٤٨
وضرورية، وهي بالثلج، أو بالتراب، أو بما يقوم مقامه عند فقده.
والاختيارية: وضوء، وغسل، وكل واحد منهما مفروض، ومسنون.
فالمفروض من الوضوء شيئان: أحدهما الوضوء لصلاة فريضة لزمه أداؤها حالة الوضوء، والثاني للطواف المفروض.
والمسنون أحد عشر: أحدها: للتأهب للصلاة الفريضة قبل دخول وقتها.
والثاني: تجديده لكل صلاة مع بقاء حكمه.
والثالث: لأداء النوافل.
والرابع: لقراءة القرآن.
والخامس: لمس المصحف.
والسادس: للسعي بين الصفا والمروة .
والسابع: للطواف المسنون.
والثامن: لدخول المسجد. أو موضع شريف.
والتاسع: للتأهب للصلاة متى شاء.
والعاشر: للنوم عليه.
والحادي عشر: للحائض. فإنها تتوضأ لا لرفع الحدث وتجلس في المصلى ذاكرة لله تعالى بمقدار زمان صلاتها.
وإذا توضأ نافلة نوى رفعا للحدث. أو استباحة للصلاة جاز له أن يؤدي به كل صلاة.
والطهارة الضرورية بالثلج. أو بالتراب وهو التيمم. وهو ضربان: أحدهما يكون بدلا من الوضوء. والثاني (يكون) (1) بدلا من الغسل المفروض. إلا في موضع واحد يكون فيه بدلا من الغسل المندوب وهو الغسل للإحرام إذا لم يجد الماء.
صفحة ٤٩
فصل في بيان ما يقارن الوضوء الوضوء يشتمل على أمور واجبة. ومندوبة.
فالواجبة: فعل، وكيفية، وترك.
فالفعل سبعة أشياء: النية. وغسل الوجه مرة واحدة. وغسل كل واحدة من اليدين ومسح الرأس، ومسح كل واحدة من الرجلين كذلك.
والكفية ثلاثة عشر شيئا: مقارنة النية لحال الوضوء. والاستمرار على حكمها.
والابتداء في غسل الوجه من قصاص شعر الرأس. واستيعاب الوجه بالغسل، وحده من قصاص شعر الرأس إلى محادر (1) شعر الذقن طولا. وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، وغسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع، وإدخال المرفق في الغسل، ومسح مقدم الرأس ببلة الوضوء. ومسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ببلته أيضا، والترتيب على ما رتبه الله تعالى (2)، والموالاة - وهي أن يوالي بين غسل الأعضاء ولا يؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم - وإيصال الماء إلى ما تحت الخاتم. وغيره إن كان عليه.
والترك عشرون شيئا:
استقبال الشعر في غسل الوجه وفي غسل اليدين، وفي مسح الرأس، واستئناف الماء لمسح الرأس والرجلين (3) ومسح مؤخر الرأس ومسح أحد جانبيه.
ومسح جميع الرأس، ومسح الأذنين، وتخليلهما، والمسح على الشعر إذا جمعه وسط الرأس، والمسح على ما يحول بين العضو الماسح والممسوح. ومسح باطن
صفحة ٥٠
القدمين.، وغسل الرجلين للوضوء مختارا. والمسح (1) على الخفين، وعلى الشمشك (2)، وعلى النعل غير العربية مختارا. والتكرار في المسح. والزيادة في الغسل على المرتين، والاستيضاء مع القدرة.
والمندوب:
خمسة أضرب: زيادة في الغسل ، وأدب. وذكر، وكيفية. وترك.
فالزيادة ثلاثة أشياء، غسل الوجه. واليد اليمنى. واليسرى ثانيا.
والأدب ثمانية: وضع الإناء على اليمين إذا (3) اغترف منه باليد. وأخذه باليمين. وإدارته في غسل اليمين إلى اليسار، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين، والنية عند غسل اليدين - فإن ترك تعين عند غسل الوجه - والمضمضة، والاستنشاق، والسواك خاصة في صلاة الليل.
وكيفية النية: أن يقرر في نفسه أنه يتوضأ فرضا، رفعا للحدث (4) واستباحة للصلاة (قربة إلى تعالى، وإن لم يكن فرضا لم يقرر ذلك في نفسه.
والذكر عشرة أشياء، التسمية إذا نظر إلى الوضوء، والدعاء عند غسل اليدين،
صفحة ٥١
وعند المضمضة، وعند الاستنشاق، وعدن غسل الوجه. واليد اليمنى، واليسرى، ومسح الرأس، ومسح الرجلين. والفراغ من الوضوء.
والكيفية أحد عشر شيئا: الابتداء بالمضمضة قبل الاستنشاق، والإتيان بهما ثلاثا، ثلاثا، والمضمضة بكف واحدة (1) من الماء. وكذلك الاستنشاق، وغسل الوجه باليد اليمنى، وغسل المسنونة على هيئة الواجبة (2)، ووضع الرجل الماء على ظهر ذراعه، والمرأة على باطنها. ومسح مقدم الرأس قدر ثلاث أصابع مضمومة، ومسح الرجلين بالكفين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين.
والترك ثلاثة: الاستعانة في الوضوء بالغير، والتمندل، وتأخير الاستنجاء وغسل مخرج البول.
فصل في بيان السهو العارض في الوضوء السهو فيه أربعة أضرب:
أحدها: يوجب إعادة الوضوء، وذلك في ثمانية مواضع:
من شك ولم يدر تقدم وضوءه أم حدثه، والشك في الوضوء مع تيقن الحدث، والشك فيهما معا، والشك في الوضوء (وهو) (3) جالس عليه، وأن يظن الإخلال بفعل واجب من أفعال الوضوء، أو يظن فعل شئ ينقض الوضوء، أو يذكر حدثا وقد توضأ لكل صلاة عقيب إحداها بلا فصل واشتبه عليه، أو يذكر ترك غسل عضو من أعضاء هذه الطهارات كذلك.
والثاني: لم يلزمه إعادة الوضوء، وجاز له المضي عليه، وذلك في ثلاثة
صفحة ٥٢
مواضع: من تيقن الوضوء وشك في الحدث. أو شك في الوضوء بعد ما قام عنه، أو شك في غسل عضو كذلك.
والثالث: يجب عليه غسل المشكوك، وإعادة المترتب عليه ما لم يجف العضو السابق، وإعادة الوضوء إن جف، وذلك في موضعين: من شك في غسل عضو من أعضاء الطهارة جالسا عليه غسل المشكوك وإعادة المترتب عليه، ومن قدم بعض أعضاء الطهارة على بعض ثم ذكر بنى على ما يجب الابتداء به وأعاد ما قدمه عليه.
والرابع: من صلى صلوات وقد جدد الوضوء لكل صلاة من غير حدث.
ثم ذكر أنه ترك غسل عضو في واحدة أعاد الصلاة الأولى، وإن ترك في اثنتين أعاد الصلاتين، وعلى هذا، ومن صلى بغير طهارة تطهر وأعاد الصلاة.
فصل في بيان نواقض الطهارة نواقضها أربعة أضرب:
أحدها: ينقضها ويوجب الصغرى من الطهارة، وهو ستة أشياء: خروج البول والغائط من الإنسان، وخروج شئ ملوث بالغائط من مخرجه، والريح. والنوم والغالب على السمع والبصر. وكل ما يزيل العقل والتمييز من الإغماء والجنون وغيرهما من سائر الأمراض.
وثانيها: يوجب الطهارة الكبر. ى فحسب، وهو الجنابة.
وثالثها: يوجب الصغرى مرة. وكلتيهما أخرى، وهو الاستحاضة.
ورابعها: يوجبهما معا. وهو ثلاثة أشياء: الحيض، والنفاس، ومس الميت من الناس، أو قطعة أبينت من حي، أو ميت منهم فيها عظم بعد البرد بالموت وقبل التطهير بالغسل. ولا ينقض الطهارة غير ما ذكرناه.
صفحة ٥٣
فصل في بيان الطهارة الكبرى وهي ضربان: إما يجب إيقاعها على المكلف في نفسه. أو في غيره. وذلك شيئان: أحدهما غسل المولود بعد الولادة، والثاني غسل الميت من الناس.
والأول ضربان: أحدهما يؤمر بالغسل لإقامة الحد عليه.
والثاني أربعة أضرب: فرض، وواجب. ومختلف فيه، ومندوب، والجميع خمسة وثلاثون غسلا.
فالفرض واحد. وهو غسل الجنابة.
والواجب ثلاثة: غسل الحيض، والاستحاضة، والنفاس.
والمختلف فيه ثلاثة: غسل مس الأموات، وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا تركها متعمدا وقد احترق القرص كله. وغسل من سعى إلى مصلوب عامدا بعد ثلاثة أيام.
والمندوب ثمانية وعشرون:
غسل يوم الجمعة، وروي: أنه سنة واجبة (1) وغسل ليلة النصف من رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان. وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه. وليلة سبع عشرة (وتسع عشرة) (2) وإحدى وعشرين.
وثلاث وعشرين منه، وليلة الفطر، ويوم الفطر. ويوم الأضحى، وغسل الإحرام، وعند دخول الحرم. ودخول مكة. ودخول المسجد الحرام. ودخول الكعبة.
ودخول المدينة. ومسجد النبي صلى الله عليه وآله. وعند زيارته عليه السلام،
صفحة ٥٤
وعند زيارة الأئمة عليهم السلام. وغسل يوم المباهلة، ويوم الغدير، ويوم المولد، وغسل التوبة، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة.
فأما الجنابة: فهي بإنزال الماء الذي منه الولد، وعلامته الدفق سواء كان معه شهوة أو لم يكن. وإن وجد شهوة من غير دفق، وكان مريضا فكذلك. وإن كان صحيحا لم يكن ذلك منيا إذا لم يكن معه دفق، وبغيبوبة الحشفة في فرج آدمي حي أو ميت. قبل أو دبر، ويجب الغسل عليهما معا.
وإذا أجنب الإنسان بأحد ما ذكرناه حرم عليه ستة أشياء، قراءة العزائم ودخول المساجد - إلا عابر سبيل - إلا المسجد الحرام. ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووضع شئ فيها، ومس كتابة المصحف، ومس كل كتابة معظمة من أسماء الله تعالى، أو أسماء أنبيائه، أو أئمة عليهم السلام. والتوضؤ للجنابة، وكره له سبعة أشياء الأكل، والشرب - إلا بعد المضمضة والاستنشاق - والنوم - إلا بعد الوضوء - والخضاب، ومس المصحف ما عدا الكتابة. وقراءة ما عدا العزائم فوق سبعين آية، والارتماس في الماء الراكد وإن كان كثيرا.
فأما الغسل ففيه الفرض، والندب. فالفرض مقدم عليه، ومقارن (له) (1)، فالمقدم ثلاثا أشياء: الاستبراء، وكيفية: وهي أن يستبرئ بالبول - إن كان رجلا (2) - فإن لم يتأت له اجتهد، وإزالة المني عن رأس الإحليل. وعن جميع جسده إن أصابه.
والمقارن ضربان: فعل، وكيفية.
فالفعل، النية. وغسل جميع البدن.
والكيفية أربعة أشياء: مقارنة النية لحال الغسل، واستدامة حكمها إلى عند الفراغ، وإيصال الماء إلى جميع أصول الشعر، والترتيب: وهو أن يبدأ بغسل
صفحة ٥٥
الرأس، ثم بالميامن، ثم بالمياسر، وإن أفاض الماء بعد الفراغ على جميع البدن كان أفضل.
والندب خمسة أشياء غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات. والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا. والغسل بصاع من الماء فما زاد، والدعاء عند الغسل.
والكافر إذا أسلم. وقد أجنب كافرا لزمه الغسل من الجنابة. والمخالف إذا استبصر وأقام فرائضه لم يلزمه الإعادة، وإن لم يقمها أعاد، وإن اجتمع عليه أغسال كثيرة كفاة غسل الجنابة عن الجميع. ولم يكف عنه غيره.
وسائر الأغسال، لا بد فيه من تقديم الوضوء عليه. أو تأخير عنه، وينوي في الغسل والوضوء معا رفعا للحدث، أو استباحة (1) للصلاة، إن كان الغسل واجبا (2) سوى غسل من سعى إلى المصلوب بعد ثلاثة أيام، وإن كان الغسل نفلا ارتفع الحدث بالوضوء لا به. وصورة نية الغسل من الجنابة على ما اخترناه: اغتسل من الجنابة فرضا. قربة إلى الله تعالى.
فصل في (بيان) (3) أحكام الحيض الحيض: هو الدم الأسود الغليظ الخارج من المرأة بحرارة وحرقة على وجه له دفع، ويتعلق به أحكام من بلوغ المرأة. وانقضاء العدة، وغير ذلك، ولا تحيض امرأة دون تسع سنين، ولا من زاد سنها على ستين سنة من القرشية والنبطية. وعلى خمسين سنة من غيرهما.
وللحائض ثلاثة أحوال: أما ترى الدم قليلا: وهو ثلاثة أيام متواليات، وروي
صفحة ٥٦
مقدار ثلاثة أيام من عشرة (1) أو كثيرا: وهو عشرة أيام. أو متوسطا: وهو ما بين الثلاثة والعشرة.
فإذا بلغت المرأة تسع سنين فصاعدا، ورأت دما لم يخل من ثلاثة أحوال:
إما عرفته يقينا أنه دم حيض، أو غيره. أو اشتبه عليها. فإن عرفت يقينا عملت عليه.
وإن اشتبه عليها بدم استحاضة فهو حيض، وإن اشتبه بدم العذرة اعتبرت بقطنة.
فإن انغمست فهو دم حيض، وإن تطوقت فهو دم عذرة، وإن اشتبه بدم القرح وكان خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح، وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض.
والصفرة والكدرة في أيام الحيض، أو فيما يمكن أن يكون حيضا حيض، وفي أيام الطهر طهر، فإذا رأت الدم بعد انقضاء تسع سنين ولم يشتبه عليها. أو اشتبه وكان محكوما عليه بالحيض تركت الصلاة والصوم، ولها أربعة أحوال:
أحدها: أن تراه ثلاثة أيام متواليات ثم ينقطع. ولا تراه بعد ذلك إلى انقضاء عشرة أيام.
والثاني: أن ينقطع الدم ثم يعود قبل انقضاء عشرة أيام.
والثالث: أن تراه يوما أو يومين، ثم ينقطع عنها ولا يعود، والرابع: أن ينقطع عنها بعد يوم أو يومين. ثم يعود قبل انقضاء عشرة أيام بمقدار ما يتم به ثلاثة أيام.
فالأول: يلزمها أن تعمل عمل الحائض في الأيام التي رأيت فيها الدم. ثم تغتسل، والثاني: كان الدمان معا والطهر المتخلل بينهما حيضا.
والثالث: يكون دم فساد، ويجب عليها قضاء الصلاة والصوم.
صفحة ٥٧
والرابع: يكون جميع عشرة الأيام بحكم الحائض في إحدى الروايتين (1).
وإذا رأت الدم في شهرين متواليين على حد واحد. جعلت ذلك عادة ترجع إليها وتعمل عليها.
ويتعلق بالحائض وبزوجها أحكام تنقسم إلى أربعة أقسام: واجب. وندب، وكلاهما فعل وترك.
فالفعل الواجب ثلاثة: احتشاء الموضع بالكرسف، والاستشفار، ومنع الزوج من الوطئ.
والترك الواجب عشرة، الصلاة، والصوم. والاعتكاف. والطواف، ودخول المساجد، ووضع شئ فيها. ومس كتابة المصحف، والأسماء المعظمة، وقراءة العزائم، وسجدة التلاوة.
والفعل المندوب إليه شيئان: الوضوء لا على وجه رفع الحدث وقت الصلاة، وجلوسها في المصلى ذاكرة لله تعالى بمقدار زمان صلاتها.
والترك المندوب أربعة: قراءة ما عدا العزائم، ومس المصحف، وحمله.
والخضاب.
وما يتعلق بزوجها فأربعة، لا يصح منه طلاقها حاضرا بعد الدخول " بها " (2)، ويحرم عليه وطؤها، ويجب عليه الكفارة إن وطأها في أول الحيض بدينار، وفي وسطه بنصف دينار، وفي آخره بربع دينار. وإن وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من الطعام. ويلزمه التعزير.
فإذا طهرت وكانت عادتها أقل من عشرة أيام استبرأت بقطنة، فإن خرجت نقية فهي طاهر، وإن خرجت ملوثة صبرت إلى النقاء، وإن اشتبه عليها استظهرت بيوم
صفحة ٥٨
أو يومين، ثم اغتسلت وإن كانت عادتها عشرة أيام لم يكن عليها استبراء ولا استظهار بل اغتسلت، وإذا حاضت صائمة بطل صومها. فإن حاضت بعد دخول وقت الصلاة، أو طهرت وتوانت في الاغتسال والصلاة. وجب عليها قضاء تلك الصلاة.
وإن لم يمكنها ذلك لم يجب عليها القضاء، بل يستحب. ولا يجب عليها قضاء الصلاة الفائتة في أيام حيضها ويجب عليها قضاء الصوم.
فصل في بيان أحكام المستحاضة الاستحاضة: دم أصفر رقيق بارد، تراه المرأة عقيب أيام الحيض، أو أكثر أيام النفاس، والمستحاضة مبتدئة، وغير مبتدئة. فالمتبدئة لها أربعة أحوال إذا استمر بها الدم:
أولها: أن يتميز لها بالصفة. وتعرف دم الحيض من دم الاستحاضة، فيجب أن تعمل عليه، وحالة الاستمرار إذا مر عليها (أقل) (1) أيام الحيض وهو ثلاثة أيام.
وأقل أيام الطهر وهو عشرة أيام. فإذا رأت الدم ثلاثة أيام متواليات عرفت يقينا أنه دم حيض، فإذا استمر إلى تمام عشرة أيام. وجب عليها أن تعمل عمل الحائض، فإذا زاد على عشرة أيام ثلاثة عرفت يقينا أنه دم استحاضة. فإذا لم ينقطع جوزت أن ذلك دم حيض، لانقضاء أقل أيام الطهر وأقل أيام الحيض، وجوزت خلاف ذلك فيلزمها تعرف الحاف. فإن تميز لها بالصفة عملت عليها.
وإن لم تتميز رجعت إلى عادة نسائها من أهلها وعملت عليها.
فإن لم يكن لها نساء من أهلها رجعت إلى عادة أترابها من أهل بلدتها وعملت عليها.
فإن لم يكن لها شئ من ذلك. تركت الصلاة والصوم في الشهر الأول أقل
صفحة ٥٩