386

سكان الجزائر في نقض الهدنة والتخلص من الجزية التي كانوا يدفعونها لأسبانيا. ولما وثقوا بقدرة بربروس العسكرية الكبرى وكفاءته في شن الحرب على النصارى، استدعوه ونادوا به أميرا. وكان بربروس يعيش في حالة سوء تفاهم مع شخص كان قد جعل من نفسه أميرا على مدينة الجزائر. فقتله غيلة في حمام. وكان هذا الحاكم أميرا على العرب الذين كانوا يسكنون سهل المتيجة، ويدعى سليم التومي من قبيلة ثعلبة، وهي فرع من معقل (119). فعلى أثر احتلال الأسبان بجاية (120) جعل هذا الأمير من نفسه حاكما على الجزائر واحتفظ بالسلطة لمدة بضعة أعوام حتى وصل بربروس. وبعد مقتل سليم نادى بربروس بنفسه ملكا وضرب عملة باسمه (121) ووعده كل سكان المناطق المجاورة بالطاعة وأرسلوا له الجزيرة. ذاك هو أصل قوة بربروس وعظمته.

وقد كنت حاضرا خلال معظم هذه الأحداث، لأنني كنت أقوم حينئذ برحلة من فاس إلى تونس. ونزلت بضيافة السفير الذي أوفد إلى أسبانيا والذي جلب معه، عند عودته، حوالي ثلاثة آلاف مخطوط عربي اشتراها من شاطبة، وهي مدينة في مملكة بلنسية. ثم غادرت الجزائر إلى بجاية حيث وجدت بربروس منهمكا في حصاره قلعتها، ومكثت معه لرؤية نهاية هذه المعركة، حتى الوقت الذي هرب فيه والتجأ إلى جيجل. ثم غادرتها وقصدت قسنطينة كي أرحل منها إلى تونس، وفي ذلك الوقت قيل لي إن بربروس قد قتل في تلمسان وأن أحد إخوته المدعو خير الدين سمي أميرا على الجزائر ولا زال يحكم حتى الساعة الحالية (122). وقد روى لي أن الامبراطور شارل حاول مرتين احتلال الجزائر وأرسل في سنتين مختلفتين أسطولا ضد هذه المدينة. ففي الأولى هزم الأسطول وغرقت معظم قطعه الحربية في ميناء الجزائر. واستطاعت الثانية

صفحة ٤١٠