اداب ملتقطة من كلام الحكماء
بسم الله الرحمن الرحيم وبه توفيقي
يقول العبد الفقير الى الله الواحد الباري محمد بن ابراهيم بن ساعد الانصاري الحمد لله حق حمده وصلوته على سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه
أما بعد فهذه وصايا التقطتها من كلام الحكماء ينتفع بها في آداب صحبة الملوك وخدمتهم وبالله استعين قالت الحكما القرب من الملوك عز والبعد عنهم ذل وهم كالنار التي من احسن جوارها انتفع بضوءها وانضاجها واستدفا بحرها اللطيف ومن لم يحسن ذلك استضر باحراقها ودخانها وقالوا صحبة الملوك بالنصيحة والطاعة بقدر الاستطاعة والدعا لهم بظهر الغيب وستر عيوبهم وإظهار
صفحة ٨٧
محاسنهم وحسن مخاطبتهم والتلطف في ابلاغهم القول وعدم تقبيح افعالهم وتعليمهم ما جهلوه وتنبيههم عند الغفلة وارشادهم الى انتهاز الفرصة وسد خللهم عند الحاجة وتحذيرهم عواقب السوء ونصرتهم بجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النافرة اليهم [...] بظهر الغيب وفيض اهم قرنا سوء لم يقنعهم عدم نصحهم لهم حتى غشوهم بالثناء الكاذب وغروهم بتحسين المثالب خوفا من استيحاشهم منهم ونغارهم عنهم فظنوا الكمال حيث لا كمال فاغلق عنهم بابه واسدل من دونهم حجابه الا قليلا منهم رجحت عقولوم ونفدت في ضبط انفسهم بصايرهم فحسنت سيرهم وصارت انموذجا يقتدي بمثالها وينسج على منواله
ومن كلام كسري انوشروان لبعض وزرايه
اكتم اسراري واصدقني الحديث وامحصني النصيحة واحترس مني بالحذر واجعل ملي رقيبا عليك حيث ما كنت تشهدني به وتأدب بين يدى والزم الخشوع والاطراق عند مخاطبتي وتزين للدخول على وليكن باطنك وظاهرك لي مخلصين وتقرب الى بما قدرت عليه من حسن ولا تجعل الألسنة الذم عليك طريقا وهذب امورك ثم الفني واحكم كلامك ثم خاطبني ولا تجتر علي فاسخط ولا تنقبض مني فاتهم ولا ترد لي قولا ولا تنقض لى امرا
صفحة ٨٨
ولا تشهدني منك نقصا واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول ولابتدائي بمصالحك فاني اعلم بها منك واقدر عليها ولا تقصر بك همه في مسئلتك اياي ووال بي وعاد لي تكن مني بمنزلة رفيعة وحمى وطاعة
ومن وصايا حكمة اليونان
اذا خدمت ملكا فاظهر له الاستهانة بما فضلت به عليه والتعجب بما فضل به عليك ولا تدمن عنده رذيلة ظهرت في احد من الملوك ولا تنهاه عنها ولكن اذكر الفضيلة التي خرجت تلك الرذيلة عنها وحسنها له والزم الغالب عليه من اصحابه وتقرب اليه بنفس ما يعز عليه ويكرم لديه ولا تشيرن عليه بما لا يصل فكره اليه ولا بما ينقص قدرته عنه يستوحش منك واجعل غضبك فيما يغضبه ورضاك فيما يرضيه ولا تظهرن له انك تستجلب به نفعا فيري انك تقيمه كالجارح الذي تصطاد به ولا انك تستدفع به ضررا فيرى انك تقيمه كالضاري الذي تحتمي به واذا أردت تسكين غضب الملك فادخل معه في غضبه وصفر امره لديه ليستريح الملك اليك ثم ليتأتى لتسكين الغضب بعد ذلك ولا تطلب الانتصار في مجلس الملك الا به وذلك بأن تحرك غضبه باظهار الحجة لك وحل بينه وبين الامر واذا نابنك عدو بين يدي الملك فلا تكلمه الا باذن الملك واذكر له انك لا تطلق لسانك في مجلسه اجلالا له وأظهر التهاون بقول عدوك
صفحة ٨٩
والتبسم منه فانه يستشيط وانت وادع وتقع به التهمة وانت آامن
ومن كلام حكما الهند
اذا كان الملك متمسكا بالدين فاخدمه بالفضائل وان كان متخليا منه فاخدمه بخلقه وكن منه على حذر واذا خدمت ملكا حازما فارضه باسخاط حاشيته واذا خدمت ملكا عاجزا فاسخطه بارضاء حاشيته واعرف اخلاق الملك وطباعه من اخلاق من يغلب عليه ممن يعاشره وادخل اليه من خلق اقربهم اليه ان وثقت من نفسك بنفاد في ذلك الأمر واذا زاد الملك في رفعتك فزد في تواضعك فان استعفاك من ذلك فاعلمه ان ذلك عسر شاق عليك واذا دعاك الى طعامه او شرابه فزد في تعظيمه واعلم أن طعام الملوك للشرف ولا للسرف واذا رفعك الملك الى منزلة علية فلا تنس ما يجب عليك من الحقوق والاداب فيها والا وضعتك الايام الى دون منزلتك واذا خلوت بملك واضعي اليك فلا ترسل لسانك بالقول حتى تتبين الاحوال التي تدعوه اليها وحركه على صلاح معاده وبقاء ذكره بالجميل [...] ولا تندر منك لقطه تعقب ضررا واذا استطعت أن يرى الملك غناك عنه لا بكثرة الجدة بل بالقناعة فافعل فانه ادوم لسلامتك واذا انفذك الملك في رسالة فاستمع ما يقوله ثم اكتبه واعرضه عليه فان رضيه سله ان يوقع عليه بخطه او بخط ثقته فاذا اديت الرسالة حفظت
صفحة ٩٠
الجواب واثبته مع نسخة الرسالة و عرضته على الثاني فاذا رضيه سألته التوقيع عليه فائه ربما انكر بعض الملوك ما يقوله واذا اتصل بالملك منك ما لم يكن منك فسله أن يحضر المبلغ له فان الملك يستبين له تغير الكاذب فان بهتك فقل له اين كان ومتى وكيف ومن حضره وطالبه بسرعة الجواب فانه يفتضح اذا ذكر لك الملك خطأ كان منه فاجل فكرك في الاعتذار له منه واحذر ان تعنفه به او تجتمع معه على ذمة فان الملوك تأنف من ذلك ولا تقنط من تقريب الملوك لنوى الرذايل فان ذلك انما يكون لضرورة اليه كما تضطره كثره الدم الى الحجام وفيض الكنيف الى الكساح ثم ينبد من قربه منهم بعد حاجته حتى يرجع الى محله وصاحب الفضيلة تقريبه مستقر واذا جدد لك الملك مرتبة فلا تتصاغر عنها ولكن اقبل فضله واشكر نعمته شكر من يجد في نفسه القيام بما اسند اليه ولا تنزل في خدمة الملوك منزلة يحتاج فيها الى تكلف او اعمال حيلة او استعانة فان ذلك لا يستمر واذا ثقل على الملك الوعظ ولم ينقد للناصح واكذب المخبر بالممكن وآاثر التفويض واحتقر المجد من الأعداء فاطلب الخلاص منه
ولنختم هذا القول بوصية
ينتفع بها في صحبة الملوك وغيرهم قدم حق الله تعالى على حق المخلوق وتحرز من غرور المتشبه وتدليس المتصنع
صفحة ٩١
لا تقتصر بذي فضل ولا يعتمد على ذي جهل احذر الكذوب ولا يستكفين العاجز و الشره ولا تعبا بمن لا يحافظ على المروة واقتصر في الأعوان بحسب حاجتك وهذب نفسك تتهذب جميع اتباعك وتثيره من الطمع تتنزه جميع خلفايك لا تكل الي غيرك ما تختص بمباشرته طلبا للراحة وفكر فيما قدمته من افعالك فان كان صوابا فاجعله مثالا تحتديه وان كان خطاء فاستدرك منه ما امكن وانته عنه في المستقبل ثم تصرف فكرك بعد ذلك الى ما تستقبله ففي تقديم الفكر على العمل احتراس من الزلل وان عارضك القدر لم تلم واخفض جناحك لمن علا وتجاف الكبر عن من دنا تملك من القلوب مودتها وكن شكورا في النعمة صبورا في الشدة لا تبطرك السراء ولا تدهشك الضراء تتكافا احوالك وتعتدل خصالك واستدم مودة وليك بالاحسان واسئل سخيمه عدوك بعد الاحتراس منه وداهن من يجاهرك بعداوته ولا تعول على الظنون والتهم واطرح الشك باليقين واختبر من اشتبهت احواله لديك بشهادة القلوب فهي اصدق فان وقفت على الارتياب فاعمل بالمودة في الظاهر وخذ بالحزم في الباطن وتغافل ما امكن فقل ما جوهر المفضي وقوطع المتغافل وشاور في امورك
صفحة ٩٢
من تثق منه بصواب الراي وخلوص النية وكتمان السر وعول على استشاره من جرب الامور وتقلب فيها حتى عرف مواردها ومصادرها واعدل عن استشارة من قصد متابعه هواك او اعتمد مخالفتك انحرافا عنك ولكن تمسك براي من توخا الحق لك وعليك ولا تواخذ من استشرت بدرك بدرك الراي آن زل فما عليه الا الاجتهاد واكتم سرك وتثبت فيما لا يستبين لك فمن تاني اصاب او كاد ومن عجل اخطاء او كاد وقدم ما قدرت عليه من معروف فلكل تاخير فوات وانتهز الفرصة فانها تمر مر السحاب واحذر قول المدح من المتملقين واصبر على الحاح السائلين والجا الى الله في مضايق الأمور يفرجها وفي صعابك يسهلها واستعن به يعينك فمن كان رجاؤه منوطا به لم يخب
وليكن هذا اخر هذا القول في هذا الغرض والحمد لله كما هو اهله وصلوته على سيدنا محمد واله وصحبه وحسبنا الله ونعم الوكيل ه
PARATEXT
اداب [...] الحكماء اختيار الشيخ الامام العالم المفنن الحكيم الفاضل شمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد الانصاري المعروف بابن الاكفاني رحمه الله تعالي
صفحة غير معروفة