تحذير أهل الأيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن
الناشر
الجامعة الإسلامية
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٧هـ
مكان النشر
المدينة المنورة
تصانيف
وهؤلاء الأوغاد لم يقدروا الشريعة حق قدرها، ولم يعلموا أن مبناها على الحكم ومصالح العباد. في المعاش والمعاد. وأنها عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه. وظله في أرضه وهي نوره الذي به أبصر المبصرون. وهداه الذي به اهتدى المهتدون. وشفاه التام الذي به دواء كل عليل. وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل. فهي قرة العيون وحياة القلوب ولذة الأرواح. فيها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها وحاصل بها. وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها. ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم.
وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا. فإذا أراد الله ﵎ خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها. فهي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
والعجب أيضا من قوم لا يرون تمام الترقي إلا في التشبيه بالكفار وعبدة الأصنام لزعمهم أنهم بلغوا من التمدن والترقي مبلغا لم يبلغه غيرهم من الأنام، فإن هؤلاء أيضا قوم لا خلاق لهم قد قصروا نظرهم على النعيم الفاني العاجل. ونسوا النعيم المقيم الآجل. فهم أشبه بالأنعام. بل هم أضل وإن لبسوا ثياب الأنام. دينهم وديدنهم تقليد أولئك والتزيي بزيهم والاحتذاء بهم في أقوالهم وأفعالهم ومطاعمهم ومشارحهم وملابسهم فلهم في أولئك الأسوة التامة، لا في رسوله الله ﷺ فهم ليسوا ممن يرجو الله واليوم الآخر. وهذا مصداق قوله ﷺ الثابت من طرق في الصحيح: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى
1 / 48