بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
عونك يَا رب وتيسيرك
قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السلَفِي الْأَصْفَهَانِي ثمَّ الإسكندري رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ مُولِي النِّعَمِ وَمُقَدِّرِهَا فِي الْقِدَمِ الْمَوْصُوفِ بِالْعَطَاءِ مَنًّا مِنْهُ وَالْكَرَمِ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النِّهَايَةِ فِي الْعِظَمِ وَخَاتَمِ الرُّسُلِ إِلَى الْخَلَائِقِ وَالْأُمَمِ وَعَلَى آلِهِ الْمَخْصُوصِينَ بِأَحْسَنِ الشِّيَمِ وَأَحْكَمِ الْحِكَمِ وَصَحْبِهِ نَاصِرِي الْإِسْلَامِ وَمُظْهِرِيهِ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ
فَإِنِّي لَمَّا فَرَغْتُ مِنْ ذِكْرِ مَنْ لَقِيتُهُ مِنَ الرُّوَاةِ وَكِبَارِ الْحُفَّاظِ وَالْوُعَاةِ وَإِثْبَاتِ مَنْ عَلَّقْتُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِقَوَانِينِ الرِّوَايَةِ وَالتَّحْدِيثِ وَتَسْمِيَةِ مَنِ اسْتَفَدْتُ مِنْهُ فَائِدَةً فِقْهِيَّةً أَوْ أَدَبِيَّةً أَوْ زُهْدِيَّةً أَوِ اسْتَنْشَدْتُهُ فَأَنْشَدَنِي شَيْئًا مِنْ شِعْرِهِ وَبَنَاتِ فِكْرِهِ أَوْ مِمَّا أَنْشَدَهُ مَنْ شَاهَدَهُ مِنْ أَدِيبٍ بارع أَو رِوَايَة جَامِعٍ وَدَوَّنْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ تَرْجَمْتُهُ بِالْمُعْجَمِ الْمُؤَرَّخِ إِذْ بَيَّنْتُ فِيهِ دَرَجَاتِهِمْ وَعَيَّنْتُ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ وَثِقَاتِهِمْ وَأَتَيْتُ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَنَبَّهْتُ عَلَى رُتَبِهِمْ وَمَحَالِّهِمْ وَلَمْ أُورِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ غَيْرَ حَدِيثٍ وَاحِدٍ لَا أَكْثَرَ أَوْ حِكَايَةٍ أَوْ مَقْطُوعٍ مِنَ الشِّعْرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ قَائِلِهِ مِنْهُ أَشْعَرَ آثَرْتُ أَنْ أُضِيفَ إِلَيْهِ أَيْضًا مَنْ كَاتَبَنِي مِنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ
1 / 51
الَّتِي لَمْ أَدْخُلْهَا وَلَمْ أَزُرْهَا قَطُّ وَلَمْ أَطْرُقْهَا أَوِ الْمَدَائِنِ الَّتِي دَخَلْتُهَا لَكِنْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُجِيزِ وَلَمْ يَتَّفِقْ بِهِ الِالْتِقَاءُ كَمَا جَرَى بِهِ الْقَدَرُ وَالْقَضَاءُ
فَشَرَعْتُ فِي تَعْلِيقِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ غَيْرَ أَنِّي خَالَفْتُ الطَّرِيقَ الَّذِي قَدْ سَلَكْتُ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ فَالْمُعْجَمُ عَلَى تَرْتِيبِ حُرُوفِ التَّهَجِّي كَامِلَةً إِذْ وَجَدْتُ فِي الَّذِينَ أَخَذْتُ عَنْهُمْ شِفَاهًا كَثْرَةً وَفِي الْمُجِيزِينَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قِلَّةً وَرَأَيْتُ حِينَئِذٍ ذِكْرَ شُيُوخِ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى حِدَةٍ فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ أَصْوَبَ وَإِلَى اللَّائِقِ بِالتَّهْذِيبِ أَقْرَبَ لِيُحِيطَ بِهِمْ عِلْمُ مَنْ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُمْ مِنَ الطُّلَّابِ
وَالله تَعَالَى الْمُوفق للصَّوَاب والمسؤول النَّفْعَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْوُصُولَ بِسَبَبِهِ إِلَى الرُّتَبِ الْفَاخِرَةِ
1 / 52
فَاعْلَمِ الْآنَ أَنَّ الْإِجَازَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ الْمُتَصَرِّفِينَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ قَرْنًا فَقَرْنًا وَعَصْرًا فَعَصْرًا إِلَى زَمَانِنَا هَذَا وَيُبِيحُونَ بهَا الحَدِيث ويخالفون فِيهِ الْمُبْتَدِعَ الْخَبِيثَ الَّذِي غَرَضُهُ هَدْمُ مَا أَسَّسَهُ الشَّارِعُ وَاقْتَدَى بِهِ الصَّحَابِيُّ وَالتَّابِعُ فَصَارَ فَرْضًا وَاجِبًا وَحَتْمًا لَازِبًا
وَمَنْ رُزِقَ التَّوْفِيقَ وَلَاحَظَ التَّحْقِيقَ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ بَالَغَ فِي اتِّبَاعِ السَّلَفِ الَّذِينَ هُمُ الْقُدَى وَأَئِمَّةُ الْهُدَى إِذِ اتِّبَاعُهُمْ فِي الْوَارِدِ مِنَ السُّنَنِ مِنْ أَنْهَجِ السُّنَنِ وَأَوْقَى الْجُنَنِ وَأَقْوَى الْحُجَجِ السَّالِمَةِ مِنَ الْعِوَجِ وَمَا دَرَجُوا عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَسُوغُ خِلَافَهُ وَمَنْ خَالَفَهُ فَفِي خِلَافِهِ مَلَامُهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ فَالْحُجَّةَ الْوَاضِحَةَ سَلَكْ وَبِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى اسْتَمْسَكْ وَالْفَرْضَ الْوَاجِبَ اتَّبَعْ وَعَنْ قَبُولِ قَوْلٍ لَنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى وَفِعْلِهِ امْتَنَعْ وَاللَّهُ تَعَالَى يوفقنا للإقتداء والاتباع ويوقفنا عَن الِابْتِدَاء والإتبداع فَهُوَ أرْحم مأمول وَأكْرم مسؤول
1 / 53
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَتَقَرَّرَ وَصَحَّ بِالْبُرْهَانِ وَتَحَرَّرَ فَكُلُّ مُحَقِّقٍ يَتَحَقَّقُ وَيَتَيَقَّنُ أَنَّ الْإِسْنَادَ رُكْنُ الشَّرْعِ وَأَسَاسُهُ فَيَتَسَمَّتُ بِكُلِّ طَرِيقٍ إِلَى مَا يَدُوم بِهِ درسه لَا اندراسه
وَفِي الْإِجَازَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ وَبَصَرٍ دَوَامُ مَا قَدْ رُوِيَ وَصَحَّ مِنْ أَثَرٍ وَبَقَاوَةُ بَهَائِهِ وَصَفَائِهِ وَبَهْجَتِهِ وَضِيَائِهِ
وَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا وَالسُّكُونُ أَبَدًا إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي صِحَّتِهَا وَرَيْبٍ فِي فُسْحَتِهَا إِذْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ فِي ذَلِكَ السَّمَاعُ ثُمَّ الْمُنَاوَلَةُ ثُمَّ الْإِجَازَةُ
وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبْقَى كُلُّ مُصَنَّفٍ قَدْ صُنِّفَ كَبِيرٍ وَمُؤَلَّفٍ كَذَلِكَ صَغِيرٍ عَلَى وَجْهِ السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ عَلَى قَدِيمِ الدَّهْرِ الْمُنْفَصِلِ وَلَا يَنْقَطِعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِمَوْتِ الرُّوَاةِ وَفَقْدِ الْحُفَّاظِ الْوُعَاةِ فَيُحْتَاجُ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ إِلَى اسْتِعْمَالِ سَبَبٍ فِيهِ بَقَاءُ التَّأْلِيفِ وَيَقْضِي بِدَوَامِهِ وَلَا يُؤَدِّي بَعْدُ إِلَى انْعِدَامِهِ
فَالْوُصُولُ إِذًا إِلَى رِوَايَتِهِ بِالْإِجَازَةِ فِيهِ نَفْعٌ عَظِيمٌ وَرَفْدٌ جَسِيمٌ إِذِ الْمَقْصُودُ بِهِ إِحْكَامُ السُّنَنِ الْمَرْوِيَّةِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِحْيَاءُ الْآثَارِ عَلَى
1 / 54
أَتَمِّ الْإِيثَارِ سَوَاءٌ كَانَ بِالسَّمَاعِ أَوِ الْقِرَاءَةِ أَوِ الْمُنَاوَلَةِ وَالْإِجَازَةِ
لَكِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّوَقِّي مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَأَنْ لَا يُعَوِّلَ فِيمَا يُرْوَى عَنِ الشَّيْخِ بِالْإِجَازَةِ إِلَّا عَلَى مَا يُنْقَلُ مِنْ خَطِّ مَنْ يُوثَقُ بِنَقْلِهِ وَيُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْجُنُوحِ إِلَى التَّسْهِيلِ الَّذِي هُوَ سَوَاءُ السَّبِيلِ وَالْمَيْلِ إِلَى التَّرْخِيصِ لَا الْمَنْعِ وَالتَّغْلِيظِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إِلَى عَدَمِ التَّخْلِيصِ أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ وَ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾
وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ الصَّحِيحَةِ السَّهْلَةِ
1 / 55
وَقَوْلِهِ لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدُ عَلَيْكُمْ فَبَنُو إِسْرَائِيلَ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ وَالْأَمْرُ إِذَا ضَاقَ اتَّسَعَ
وَمُلَاحَظَةُ مَا يُؤَدِّي إِلَى مَنْفَعَةٍ وَفَائِدَةٍ إِلَى طُلَّابِ الشَّرْعِ عَائِدَةٍ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِهَا وَالْمَنْعِ مِنْهَا وَإِبْطَالِهَا فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَسْمُوعِ أَحْوَطُ وَعَنِ الْغَلَطِ أَبْعَدُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُجَازِ الَّذِي لَمْ يُقْرَأْ عَلَى شَيْخٍ وَلَمْ يُضْبَطْ فَفِي الَّذِي تَقَدَّمَ جَوَابُهُ وَزَوَالُ مَا قَالَهُ وَذَهَابُهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا لَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا مِنَ الْغَلَطِ وَمَا يَتِمُّ عَلَيْهِ وَقْتَ الْكِتَابَةِ مِنَ السَّقْطِ فَإِذَا لَمْ يَكُنِ السَّامِعُ مِنَ الشَّيْخِ عَارِفًا وَلِمَا يَأْخُذُ عَنهُ ضابطا دخل عَلَيْهِ السَّهْو وَذهب
1 / 56
عَلَيْهِ الغفو بِخِلَافِ الْمُجَازِ لَهُ الْمُتَيَقِّظِ الْحَافِظ الْعَارِفِ بِمَا يُؤَدِّيهِ وَيُورِدُهُ وَيَرْوِيهِ
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ مِعْرِفَةُ الرَّاوِي وَضَبْطُهُ وَإِتْقَانُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ سَمَاعًا أَوْ مُنَاوَلَةً أَوْ إِجَازَةً إِذْ جَمِيعُ ذَلِكَ جَائِزٌ
وَإِذَا تَأَمَّلَ الْحَاذِقُ مِنَ الطَّلَبَةِ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ وَمَنْ دُونَهُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرَأَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخُلْفِ فِي رِوَايَةِ كِتَابٍ وَاحِدٍ لَتَخَلَّفَ الْمُتَخَلِّفُ مِنْهُمَا تَحَقَّقَ مَا قُلْنَاهُ وَرَجَعَ عَمَّا أَبْدَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أبدا وَلَا حدث بِهِ أحد
وَمِنْ مَنَافِعِ الْإِجَازَةِ أَيْضًا أَنْ لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ وَبَاغٍ لِلْعِلْمِ فِيهِ رَاغِب يَقْدِرُ عَلَى سَفَرٍ وَرِحْلَةٍ وَبِالْخَصُوصِ إِذَا كَانَ مَرْفُوعًا إِلَى عِلَّةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ يَكُونُ الشَّيْخُ الَّذِي يَرْحَلُ إِلَيْهِ بَعِيدًا وَفِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ يَلْقَى تَعَبًا شَدِيدًا فَالْكِتَابَةُ حِينَئِذٍ أَرْفَقُ وَفِي حَقِّهِ أَوْفَقُ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْهَجِ السُّنَنِ وَأَبْهَجِ السُّنَنِ فَيَكْتُبُ مَنْ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ إِلَى مَنْ بِأَقْصَى الْمَشْرِقِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِي رِوَايَةِ مَا يَصِحُّ لَدَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرْوِيُّ حُجَّةً كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ
فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا مَعَ رُسُلِهِ فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَقَبِلَ مِنْهُمْ فَهُوَ حُجَّةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَحُجَّةٌ عَلَيْهِ
1 / 57
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ عَيْنُ الصَّوَابِ إِيفَادُهُ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ إِلَى نَاحِيَةِ نَخْلَةَ فِي سَرِيَّةٍ وَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابًا مَخْتُومًا وَأَمَرَهُ أَلَّا يَفُكَّهُ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَفُكَّهُ وَيُنَفِّذَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ فَامْتَثَلَ عَبْدُ اللَّهِ ذَلِكَ
وَهُوَ فِي الْعَمَلِ بِالْإِجَازَةِ نَصٌّ صَحِيحٌ وَنُصْحٌ مِنْهُ ﷺ صَرِيحٌ
وَلِأَبِي الْعَبَّاسِ الْوَلِيدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ مَخْلَدٍ الْغَمْرِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَتُوُفِّيَ بِالْمَشْرِقِ وَكَانَ مِنَ الْجَوَّالِينَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عَالِمًا فَقِيهًا نَحْوِيًّا ثِقَةً كِتَابٌ تَرْجَمَهُ بِالْوَجَازَةِ فِي صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْإِجَازَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا مَسْمُوعٌ نَازِلًا وَمُسْتَجَازٌ عَالِيًا اسْتَوْفَى فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَوْضَحِ عِبَارَةٍ
1 / 58
وَأَحْسَنِهَا وَأَجْوَدِ إِشَارَةٍ وَأَبْيَنِهَا لَكِنِّي لَمْ أَسْلُكْ طَرِيقَهُ وَتَحْقِيقَهُ بَلْ طَرِيقَةً أُخْرَى اسْتَوْفَيْتُ فِيهَا الْمَعْنَى بِلَفْظٍ هُوَ بِطَلَبَةِ هَذَا الْوَقْتِ أَلْيَقُ وَإِلَى أَفْهَامِهِمْ أَقْرَبُ وَطَلَبُ التَّسْهِيلِ وَتَرْكُ التَّطْوِيلِ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْلَحُ وَأَصْوَبُ
وَقَدِ اخْتَلَقَ الْقَائِلُونَ بِصِحَّة الْإِجَازَة أَسمَاء يلجؤون إِلَيْهَا عَنْ أَتَمِّ مَعْرِفَةٍ بِالتَّعْوِيلِ عَلَيْهَا عِنْدَ الرِّوَايَةِ وَكَيْفِيَّةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَرْتَضِيهِ أَرْبَابُ الدِّرَايَةِ وَأَجْوَدُ ذَلِكَ عِنْدِي وَأَحْسَنُهُ وَلَدَى التَّأَمِّلِ أَثْبَتُهُ وَأَبْيَنُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُحَدِّثُ فِي الرِّوَايَةِ عَمَّنْ شَاهَدَهُ وَشَافَهَهُ أَنْبَأَنِي وَفِيمَنْ كَاتَبَهُ وَلَمْ يُشَاهِدْهُ كَتَبَ إِلَيَّ وَفِيمَا سَمِعَهُ أَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ لِيُعْلِمَ بَذِلَكِ مَسْمُوعَهُ مِنْ مُجَازِهِ وَتَحْقِيقَهُ مِنْ مُجَازِهِ وَأَنْ يَقُولَ فِيمَا سَمِعَهُ مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ وَحْدَهُ حَدَّثَنِي وَفِي الَّذِي سَمعه مِنْهُ كَذَلِكَ لَفْظًا مَعَ غَيْرِهِ حَدَّثَنَا وَفِيمَا سَمِعَهُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بِقِرَاءَتِهِ أَخْبَرَنِي وَفِي الَّذِي سَمِعَهُ وَمَعَهُ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا أَخْبَرَنَا سَوَاءٌ قَرَأَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِيَتَبَيَّنَ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنَ الْجَوَازِ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْمُسْتَجَازِ
وَإِنِ اخْتَارَ أَحَدٌ فِي الْمُجَازِ لَهُ وَالتَّحْدِيثِ بِهِ غَيْرَ مَا اخْتَرْتُهُ وَعَيَّنْتُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ إِلَى ضِدِّ مَا ذَهَبْتُ أَنَا إِلَيْهِ فَقَدْ فُسِحَ لَهُ لَكِنْ يَكُونُ بِلَفْظٍ مُشْعِرٍ بِالْإِجَازَةِ وَعِبَارَةٍ مُعَبِّرَةٍ عَنْهَا غَيْرِ مُغَيِّرَةٍ لِلْمَرْسُومِ فِيهَا قَدِيمًا مِنْ طَائِفَةٍ اسْتَحَقُّوا بِالْحِفْظِ وَالْمَعْرِفَةِ تَقْدِيمًا وَقَضِيَّةٍ عَرِيَّةٍ عَنِ التَّدْلِيسِ خَلِيَّةٍ مِنَ التَّلْبِيسِ وَلَفْظٍ غَيْرَ مُشَبَّهٍ لِلَفْظِ السَّمَاعِ مُؤْذِنٍ بِالِابْتِدَاعِ لَا الِاتِّبَاعِ كَمَا الصَّوَابُ يَقْتَضِيهِ وَمَنْ يَرَاهُ مِنَ الْحُفَّاظِ يَرْتَضِيهِ
1 / 59
وَالَّذِي اخْتَرْتُهُ أَنَا مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي بِالْإِجَازَةِ كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ هُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ يَقُولُ كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ وَكَذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي تَوَالِيفِهِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ وَرُوَاةِ الحَدِيث الْأَثْبَات
وَكَانَ أَبُو عَمْرو الْأَوْزَاعِيُّ إِمَامُ الشَّامِ يَقُولُ كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ
1 / 60
وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْبَرَدَانِيَّ الْحَافِظَ بِبَغْدَادَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ وَاصِلَ بْنَ حَمْزَةَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ وَحِفْظِهِ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَزِّ الْمُسْتَغْفِرِيِّ الْخَطِيبِ بِنَسَفٍ فَسَأَلْتُهُ الْإِجَازَةَ فَقَالَ لِي سَمِعْتُ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ يَقُولُ
1 / 61
مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَجَزْتُ لَكَ أَيْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَكْذِبَ عَلِيَّ ثُمَّ قَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَلَكِنْ جَعَلْتُ سَمَاعَاتِي كُلَّهَا كُتُبًا مِنِّي إِلَيْكَ لِتَقُولَ كَتَبَ إِلَيَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ
وَفِي الْمُتَقَدِّمِينَ مَنْ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي الْإِجَازَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ ثُمَّ قَالَ أَخِيرًا بِصِحَّتِهَا وَهُوَ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَوِيَّةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ الْحَافِظُ الْوَائِلِيُّ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ
أَخْبَرَنَا بِنِسْبَتِهِ هَذِهِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدٍ المقرىء السحاذي بِقَزْوِينَ أَنْبَا أَبُو مَعْشَرٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّد الطَّبَرِيّ المقرىء بِمَكَّةَ أَنْبَا أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرَهُ عَلَى الْوَجْهِ
1 / 62
الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَقَدْ رَوَى لِي عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ بِأَصْبَهَانَ وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ عَبْدِ اللَّطِيفِ الْهَاشِمِيُّ بِمَكَّةَ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ السَّرَّاجِ بِبَغْدَادَ وَحَكَى لِيَ الشَّرِيفُ أَبُو شَاكِرٍ الْعُثْمَانِيُّ بِمَكَّةَ عَنْهُ حِكَايَاتٍ عَلَّقْتُهَا مِنْ حِفْظِهِ لَا مِنْ كِتَابٍ وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ السَّرَّاجِ عَنْهُ كَثِيرًا بِالْإِجَازَةِ وَقَدْ كَانَ أَجَازَ لَهُ مُشَافَهَةً بَعْدَ أَنْ سَمِعَ عَلَيْهِ فَوَائِدَ وَحِينَ
1 / 63
وَصَلْتُ إِلَى دِمَشْقَ وَقَفْتُ عَلَى أَحَادِيثَ كَتَبَهَا إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحِنَّائِيِّ وَالِدِ شَيْخِنَا أَبِي طَاهِرٍ وَأَخِيهِ وَأَذِنَ لَهُمَا فِي رِوَايَتِهَا عَنْهُ وَقَالَ الْإِجَازَةُ عِنْدِي غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ وَقَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ كِتَابًا مِنِّي إِلَيْكُمَا فَارْوِيَا عَنِّي هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ وَالْفَصْلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ عِنْدِي قَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ كِتَابِهِ إِلَيْهِ فَعَجِبْتُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ إِجَازَتِهِ لِشَيْخِنَا أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ السَّرَّاجِ وَإِجَابَتِهِ إِلَيْهَا وَامْتِنَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ ابْنَيِ الْحِنَّائِيِّ مَعَ جَلَالَتِهِمَا إِلَى أَنْ أَخْرَجَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْأَكْفَانِيُّ بِدِمَشْقَ أَيْضًا كِتَابًا بِخَطِّ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ثِقَةً وَفِي أَوَّلِهِ أَجَازَ لِيَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْوَائِلِيُّ حَدَّثَنَا بِهِ عَنْهُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَكَّاكُ
1 / 64
وَوَقَفْتُ أَيْضًا عَلَى جُزْءٍ رَوَاهُ أَبُو الْفَرَجِ سَهْلُ بْنُ بِشْرٍ الإسفرائيني بِدِمَشْقَ عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ وَأَبُو الْفَرَجِ كَذَلِكَ ثِقَةٌ فَصَحَّتْ عِنْدِي إِجَازَةُ ابْنِ السَّرَّاجِ وَزَادَتْ دَرَجَتُهُ وَبَانَتْ لَدَيَّ ثِقَتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَإِنَّ أَبَا نَصْرٍ أَدَّى اجْتِهَادُهُ فِي الْقَدِيمِ إِلَى تَرْكِهَا وَالِامْتِنَاعِ عَنْهَا وَفِي آخِرِ عُمْرِهِ إِلَى الْأَخْذِ بِهَا وَالْإِجَابَةِ عَنْهَا إِقْتَدَاءً بِأَكْثِرِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْزُوقٍ الزَّعْفَرَانِيَّ بِبَغْدَادَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ جَعْفَرَ بْنَ يَحْيَى الْقُمَيْمِيَّ يَقُولُ كَانَ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ الْحَافِظُ يَقُولُ الْمُنَاوَلَةُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَاعِ وَجَعْفَرٌ هَذَا ثِقَةٌ حَافِظٌ وَيُعْرَفُ بِمَكَّةَ بِابْنِ الْحَكَّاكِ قَدِمَ أَصْبَهَانَ وَكَتَبَ عَنْهُ أَقْرَانِي وَلَمْ أَرَهُ أَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى المسؤول فِي التَّوْفِيقِ وَسُلُوكِ سَبِيلِ التَّحْقِيقِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ قَالُوا بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ مَتَى تَصِحُّ وَفِي حَقِّ مَنْ تُتَصَوَّرُ
فَقَاسَ مِنْهُمْ قَوْمٌ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ
1 / 65
الرَّبِيعِ وَأَنَّهُ عَقِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَجَّةً مَجَّهَا فِي فِيهِ مِنْ بِئْرٍ فِي دَارِهِمْ وَأَنَّ الْعَجَمِيَّ إِذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ
وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ هِبَةَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ الْأَكْفَانِيَّ الْمُعَدِّلَ بِدِمَشْقَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَتَّانِيَّ الْحَافِظَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُرِّيَّ
يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَبْرٍ الرِّبْعِيَّ الْحَافِظَ يَقُولُ
1 / 66
سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ حَبِيبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ كُنْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِجَازَةَ لِابْنِهِ فَقَالَ كَمْ لِابْنِكَ فَقَالَ سِتُّ سِنِينَ فَقَالَ لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ لِمِثْلِهِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ قَالَ ابْنُ زَبْرٍ وَهُوَ مَذْهَبِيٌّ فِي الْإِجَازَةِ وَالَّذِي أَذْهَبُ أَنَا إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَدْرَكْتُ الْحُفَّاظَ مِنْ مَشَايِخِي سَفَرًا وَحَضَرًا اتِّبَاعًا لِمَذْهَبِ شُيُوخِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِجَازَةَ تَصِحُّ لِمَنْ يُجَازُ لَهُ صَغِيرا كَانَ أَوْ كَبِيرًا فَهِيَ فَائِدَةٌ إِلَيْهِ عَائِدَةٌ كَالْحُبُسِ عَلَيْهِ وَالْهِبَةِ لَهُ فَلَا يُحْكَمُ بِفَسَادِ ذَلِكَ وَيُقَالُ إِنَّمَا يَصِحُّ الْحُبُسُ وَالْهِبَةُ لِمَنْ عَمْرُهُ سَبْعُ سِنِينَ
وَالْغَرَضُ الْأَقْصَى مِنَ الْإِجَازَةِ الرِّوَايَةُ وَالصَّغِيرُ لَا تُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَالْكَبِيرُ يَسْمَعُ فِي بَلَدٍ وَيَرْوِي فِي آخَرَ عُقَيْبَ السَّمَاعِ
وَالصَّغِيرُ إِنَّمَا يُؤْخَذُ لَهُ مِنَ شُيُوخِ الْوَقْتِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرُّوَاةِ رَوَى مَا يَصِحُّ لَدَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِمْ كَمَا يُحَبَّسُ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ مِنْ دَارٍ وَعَقَارٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ وَهُوَ رَشِيدٌ سُلِّمَ الْمُحَبَّسُ إِلَيْهِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ فِي اخْتِيَارِهِ وَإِيثَارِهِ وَلِأَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ الْحَافِظِ الْبَغْدَادِيِّ فِي هَذَا جُزْءٌ لَطِيفٌ سَمِعْنَاهُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ
1 / 67
السَّمَرْقَنْدِيِّ بِبَغْدَادَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ بِدِيَارِ مِصْرَ يَذْكُرُ فِيهِ إِجَازَةَ الْمَعْدُومِ وَيُورِدُ فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا فَكَيْفَ لِلْمَوْلُودِ الْمَوْجُودِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ النَّاسُ وَأَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَرَأَوْهُ صَحِيحًا وَأَنَّهُ التَّحْقِيقُ وَاللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ
فَأَبْدَأُ الْآنَ بِشُيُوخِ بَغْدَادَ مَدِينَةِ السَّلَامِ جَعَلَهَا تَعَالَى أَبَدًا دَارًا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ بَعْدَهُمْ بِغَيْرِهِمْ وَأُورِدُ عَنْ كُلِّ مَنْ ظَفِرْتُ بِرِوَايَتِهِ وَوَقَعَ إِلَيَّ حَدِيثُهُ حَدِيثًا وَاحِدًا طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَاحْتِرَازًا مِنَ الْإِكْثَارِ إِلَّا عَمَّنْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ زِيَادَةٌ فَائِدَةٌ إِلَى الْعَارِفِينَ عَائِدَةٌ لِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ الْوَاقِعِ مِنَ الْحُفَّاظِ الْأَمْجَادِ أَحْسَنَ مَوْقِعٍ وَيَتَذَاكَرُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ وَمَوْضِعٍ
1 / 68
١ - فَأَوَّلُهُمْ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ التَّمِيمِيُّ
شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ بِهَا وَرَئِيسُهُمْ قَدِمَ أَصْبَهَانَ رَسُولًا مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ إِلَى السُّلْطَانِ وَأَنَا إِذْ ذَاكَ صَغِيرٌ وَشَاهَدْتُهُ يَوْمَ دُخُولِهِ إِلَى الْبَلَدِ وَوُصُولِهِ
وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا كَالْعِيدِ بَلْ أَبْلَغُ فِي الْمَزِيدِ وَأُنْزِلَ بِبَابِ الْقَصْرِ مَحَلَّتِنَا فِي دَارِ السُّلْطَانِ كَانَ مِنَ الدَّيَالِمِ وَانْتَقَلَ إِلَى سُلْطَانِ الْوَقْتِ بَعْدَ انْقِرَاضِ دَوْلَتِهِمْ دَارٌ عَالِيَةٌ وَبِقُرْبِهَا نَهْرٌ جَارٍ قَدْ صَارَ بِرَسْمِ الرُّسُلِ وَحَضَرْتُ فِي الْجَامِعِ الْجُورْجِيرِيِّ الَّذِي بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِ الْقَصْرِ مَحَلَّتَنَا مَجْلِسُهُ بِنَفْسِي لَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الْكِبَارِ بَلْ مُتَفَرِّجًا كَعَادَةِ الصِّغَارِ ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ لَمَّا تَرَعْرَعْتُ وَتَصَدَّيْتُ لِلسَّمَاعِ وَكَتْبِ الْحَدِيثِ عَلَى رَغْبَةٍ تَامَّةٍ وَعَزِيمَةٍ مُسْتَدَامَةٍ قَالَ لِيَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْعَبْدِيُّ وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ
1 / 69
مَرْضِيَّ الطَّرَائِقِ وَالصِّفَاتِ قَدِ اسْتَجْزَتُهُ لَكَ فِي جُمْلَةِ مَنْ كَتَبْتُ اسْمَهُ مِنْ صِبْيَانِنَا فِي الِاسْتِجَازَةِ فَتَفَضَّلَ وَكَتَبَ خَطَّهُ بِالْإِجَازَةِ فَطَالَبْتُهُ بِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَثَانِيَةً عقب أولى وَلم يتسهل لَهُ إِخْرَاجُهَا وَرَحَلْتُ أَنَا إِلَى بَغْدَاد سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مئة لِلِقَاءِ مُسْنَدِي شُيُوخِهَا وَالْكِتَابَةِ عَنْهُمْ وَلَمْ يَتَّفِقْ لِي الرُّجُوعُ إِلَى الْبَلَدِ وَأَجْرَيْتُ ذِكْرَ هَذَا الْمَجْلِسِ يَوْمًا بِبَغْدَادَ وَكَانَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ السَّقْطِيُّ الْحَافِظُ حَاضِرًا فَقَالَ أَنا كنت القارىء عَلَيْهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى مِنْبَرِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ وَالْخَبَرُ
فَقَدْ كَانَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ وَرِوَايَتُهُ فِيهِ عَنْ أَبِي عُمَرَ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْفَارِسِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ الدُّورِيِّ
1 / 70