همس ميليش إلى ساقي الحانة قائلا: «من ذلك الفتى؟» وكان ساقي الحانة هذا ملاكما محترفا سابقا، ويعرف عموما باسم سوتي، وهو رجل من الخطر التعامل معه إذا وصل الأمر إلى حد المشاكل والأزمات. وكان من النادر أن تحدث مشكلة أو أزمة في ذلك المكان، لكن سوتي كان إلى حد ما هو الرمز الصامت للقوة الجسدية، فكان ظهيرا لمعايير ميليش الأخلاقية الدمثة المعروفة.
أجابه سوتي: «لا أعرفه.» «مع من دخل إلى هنا؟» «لم أره وهو يدخل. لم ألحظه حتى الآن.»
نظر ميليش إلى الفتى بضع لحظات. كان للفتى وجه نضر صحي رقيق، وكأنه وجه صبي ريفي، وخلافا للعادة بدا أنه غير متكيف مع المكان في ظل الأجواء الساخنة في تلك الغرفة، تحت وهج المصابيح الغازية. تنهد ميليش وهو ينظر إليه، ثم التفت إلى سوتي وقال: «أبعده عن هنا في هدوء واذهب به إلى حجرة البوكر الصغيرة. أريد أن أتحدث إليه قليلا.»
أما سوتي، الذي كان يشعر بازدراء كبير لمشاعر رب عمله الإنسانية، فلم ينبس ببنت شفة لكن كانت هناك نظرة ازدراء تعتلي ملامحه المتوردة بينما كان ذاهبا لتأدية مهمته. ولو كان الأمر بيده، لما أفلت أحدا من الشباك مهما كان. لقد عرف أن ميليش حاول كثيرا إقناع بعض الشباب الصغار بمغادرة المكان والعودة إلى منازلهم، وذلك بإعطائهم الكثير من المال، كما أعطى الأوامر على الأبواب المزدوجة للمكان بعدم إدخالهم مرة أخرى.
نهض الفتى من مكانه وقد بدا على وجهه شيء من الخوف وتبع سوتي. حدث ذلك في هدوء، وكان كل من حولهم منهمكين في اللعب حتى إنهم لم يولوا الأمر اهتماما كثيرا.
قال ميليش حين كانوا وحدهم: «اسمع يا فتى، من جاء بك إلى هذا المكان؟»
قال الفتى وقد بدت على وجهه أمارات الامتعاض: «أعتقد أنني في سن تسمح لي أن أذهب إلى أي مكان أريده من دون أن يصحبني أحد.»
قال ميليش في دبلوماسية وهو يعرف أن الكثير من الفتيان لا يحبون أن يتهموا بأنهم حديثو السن: «أوه، بكل تأكيد، بكل تأكيد. لكنني أحب أن أعرف كل زوار هذا المكان. ولا يمكنك أن تدخل إلى هنا إلا إذا كنت مع شخص معروف لدى حارس الباب. من يضمنك هنا؟»
قال الفتى في غضب: «اسمع أيها السيد ميليش، ما الذي ترمي إليه؟ إذا كان حراس بابك لا يعرفون كيف يؤدون أعمالهم، فلم لا تذهب وتتحدث إليهم بهذا الشأن؟ هل ستأمر بطردي خارج المكان؟»
قال ميليش محاولا تلطيف الأجواء، وهو يضع يده بطريقة أبوية على كتف الفتى: «لا شيء من هذا القبيل. لا تخطئ فهم مقصدي. حقيقة وجودك هنا تثبت أن لديك كل الحق لتكون هنا. لن نتحدث في هذه النقطة أكثر من هذا. لكن خذ نصيحتي وأقلع عن المقامرة هنا والآن. كنت أقامر من قبل أن تولد أنت، لكنني لم أعد أقامر الآن. خذ بنصيحة رجل خبير بالأمور. لا طائل من ذلك ولا جدوى ترتجى.» «يبدو أن الأمر حقق جدواه تماما معك.» «أوه، أنا لا أنفي ذلك. إن للقمار مميزاته وعيوبه كأي عمل آخر. ومع ذلك، فإن الأمر لم يحقق جدواه كثيرا كما يهيأ لك، ويمكنك أن تثق في كلامي حين أقول لك إن الأمر لن يجديك نفعا إطلاقا على المدى الطويل. كم معك من مال؟»
صفحة غير معروفة