وعلى متن سفينة الخدمات التي أخذت الركاب إلى الشاطئ في كوينزتاون من كلتا السفينتين، التقت سيدتان مذهولتان. «يا إلهي! زوجة الجنرال ويلر؟! هل كنت على متن السفينة فولكان المشئومة!» «بحق الرب! زوجة المساعد بروانريج! أهذا أنت فعلا؟ يا للمفاجأة! هل قلت مشئومة؟ أعتقد أنك كنت محظوظة جدا. ألم تكوني خائفة حد الموت؟» «أجل، لكن لم تكن لدي أدنى فكرة عن وجود أحد أعرفه على متن السفينة.» «لقد كنت على متن السفينة بنفسك. كان هذا كافيا لأموت رعبا.» «على متن السفينة بنفسي؟ ماذا تقصدين؟ لم أكن على متن السفينة فولكان. هل غفت عيناك قط بعد أن عرفت أنكم قد تغرقون في أي لحظة؟» «يا إلهي، يا جين، عم تتحدثين؟ نغرق في أي لحظة؟ أنتم من كنتم على وشك الغرق في أي لحظة، أو الأسوأ من ذلك، ربما كنتم ستحترقون حتى الموت إن اشتدت حدة النيران. أتقصدين أنك لم تكوني على علم بأن النيران كانت مضطرمة في السفينة أدامنت طوال الرحلة؟» «السيدة ويلر! هناك خطأ فادح. قال الكابتن إن السفينة فولكان كانت في خطر كبير، وإن كل شيء يعتمد على صمود حواجزها. كان هناك ثقب كبير يشبه باب الحظيرة في السفينة فولكان. وكانت المضخات تعمل ليل نهار.»
نظرت زوجة الجنرال إلى زوجة المساعد بينما بدأت كل منهما تدرك حقيقة الموقف.
قالت: «لم تكن تلك إذن هي المحركات، بل كانت المضخات.»
صاحت زوجة المساعد: «ولم يكن ذلك دخان المحرك، بل كان دخان النيران. أوه، يا له من قبطان كاذب، كنت أعتقد أنه رجل لطيف أيضا. أوه، أكاد أصاب بنوبة هستيرية، أكاد أصاب بها حقا.»
قالت زوجة الجنرال المتعقلة بما كانت تتحلى به من سعة الأفق: «لم أكن لأفعل لو كنت مكانك. كما أن الأوان قد فات كثيرا على ذلك. نحن جميعا بمأمن الآن. أعتقد أن كلا القبطانين كانا حصيفين للغاية وتعاملا مع الموقف بعقلانية شديدة. ولا شك أن كليهما متزوج.»
وكان هذا صحيحا تماما.
رحيل الفتى ماكلين
لن يصدقني أحد بالطبع حين أقول إن ميليش كان مواطنا مثاليا ورجلا طيب القلب؛ وذلك على كل الأصعدة باستثناء صعيد واحد. كان الرجل سخيا حد الإسراف، وكم من رفيق شاب أعطاه ميليش مبلغا كي يبدأ به حياته حين يكون في حاجة إلى بعض المال أو بعض الكلمات المشجعة. وكان يعاقر الشراب بالطبع، لكنه كان خبيرا فيما يتعلق بأمور الشراب، والخبراء لا يسرفون أبدا في تناول الشراب. وقليل هم من يمكنهم أن يقصوا قصة ظريفة بطريقة شيقة كما يفعل ميليش، وكان نادرا ما يقع في المآزق. وأي رجل يتحف أصدقاءه بقصة قديمة، ويقول لأحد معارفه إنها حدثت، ويدعي أنها حدثت في اليوم السابق؛ لا يمكن لمثله أن يكون سيئا بكليته.
وإذا أردت أن أكتب مقالا يفطر القلب عن مساوئ القمار والمقامرة، فإن ميليش هو الرجل الذي سأذهب إليه من أجل الحصول على الحقائق وعلى الدرس الأخلاقي لقصتي . لقد قضى الرجل حياته في إقناع أصدقائه بألا يقامروا. وحسبما قال، فإنه لم يقامر هو نفسه قط. لكن إذا لم يكن أحد يولي اهتماما إلى نصيحته، فلم إذن كان يزود المقامرين بأندية القمار الأكثر عزلة وفخامة في المدينة؟ كان من المفترض أن ميليش يقف في صف الشرطة، وهو ما كان بالطبع محض كذب وافتراء. فكرة أن حماة المدينة يقفون في صف مقامر أو ناد للقمار! إن هذه الجملة عبثية وسخيفة في ظاهرها. وإذا سألت أي شرطي في المدينة عن مكان نادي ميليش للقمار، فسرعان ما ستدرك أن أحدا منهم لم يسمع حتى باسم هذا المكان من قبل. وهذا كله الغرض منه هو توضيح كيف أن الناس سيتحدثون دائما بكلام شائن، وإذا كان نادي ميليش للقمار بعيدا عن مداهمات الشرطة، فهذا لحسن حظ ميليش ليس إلا. وعلى أي حال، في نادي ميليش للقمار، يمكنك أن تلعب القمار في هدوء وعلى مستوى رفيع وعلى رهانات كبيرة بقدر ما يمكنك، وأنت واثق تماما أن أحدا لن يحدث جلبة حول الأمر وأن اسمك لن يظهر في الصحف صباح اليوم التالي.
ذات ليلة بينما كان ميليش يجول بنظره في الغرفة الرئيسية الممتلئة عن آخرها لاحظ فتى غريبا يجلس إلى طاولة الروليت. كان ميليش يتمتع بنظر حاد وثاقب فيما يتعلق بالتعرف على الغرباء، وكان عادة ما يتمكن من معرفة شيء عنهم بأسلوب غير متطفل. فالغرباء في أندية القمار يجلبون معهم إحساسا معينا بالخطر إلى رواد المكان.
صفحة غير معروفة