غادرت السفينة البخارية المهيبة «أدامنت» من نيويورك في رحلتها لشهر فبراير في ظل ظروف مواتية. وكانت هناك عاصفة تجتاح المحيط لكنها انتهت توا؛ ولذا كانت كل الفرص سانحة أمامها للوصول إلى ليفربول قبل حلول العاصفة التالية.
وقد واجه الكابتن رايس مشكلة اجتماعية بسيطة كان عليه حسمها في بداية الرحلة، لكنه لطف الأمور وهدأها بلباقته المعهودة. كان على متن السفينة سيدتان - وهما زوجتان لمسئولين رسميين - من واشنطن، وكان الكابتن - وهو رجل إنجليزي عجوز وبحار ماهر ومتمرس - دائما ما يواجه مشكلة فيما يتعلق بحق الأولوية للسيدات من واشنطن. ولم يكن الكابتن رايس ينزعج مطلقا من الأرستقراطية البريطانية؛ لأن حق الأولوية كله مسجل في «مجلد بيرك للنبلاء»، الذي كان يحتفظ به في مقصورته؛ ومن ثم لم تكن هناك أي صعوبة في التعامل مع الأمر. لكن، من المفترض في أي دولة ذات نظام جمهوري ألا تتدخل في حق الأولوية. ولم تكن الدولة لتفعل ذلك أيضا لولا النساء.
حدث أن السيدة براونريج، زوجة مساعد المدعي العام بمجلس الشيوخ، أتت إلى مضيف السفينة وقالت بأنها لا بد أن تجلس على ميمنة الكابتن، وذلك حسب الترتيب الطبقي للجميع على متن السفينة. وبعد ذلك جاءت السيدة ديجبي، زوجة المساعد الثاني لرئيس الأركان في وزارة الحربية، إلى الموظف الحائر وقالت بأنها لا بد أن تجلس إلى ميمنة الكابتن لأنها في واشنطن تحظى بالأولوية على جميع من هم على متن السفينة. فأسر المضيف الحائر بمحيرته إلى الكابتن الذي قال بأنه سيهتم بالأمر. ومن ثم، أجلس السيدة زوجة مساعد رئيس الأركان في وزارة الحربية إلى يمينه وسار على سطح السفينة مع السيدة زوجة مساعد المدعي العام وقال لها: «أريدك أن تسدي إلي معروفا أيتها السيدة براونريج. لسوء الحظ، أنا أعاني من صمم طفيف في أذني اليمنى وأعتقد أن سببه هو الاستماع الدائم إلى بوق الضباب عاما بعد الآخر؛ ومن ثم، فإنني دائما ما أجلس أكثر السيدات اللائي أريد محادثتهن إلى يساري على الطاولة. فهلا تفضلت علي وجلست في ذلك المقعد هذه الرحلة؟ لقد سمعت عنك أيتها السيدة براونريج، رغم أنك لم تسمعي بي من قبل قط.»
أجابته السيدة بروانريج: «بكل تأكيد أيها الكابتن. إنني أشعر بإطراء بالغ.»
قال الكابتن المحترم: «وأؤكد لك سيدتي أنني لن أفوت على نفسي سماع كلمة واحدة منك» إلى آخر ذلك.
وهكذا نسق الأمر سلميا بين السيدتين. وهذا كله ليس له أي علاقة بالقصة. إنما هي مجرد حادثة أذكرها لأوضح ما كانت تتسم به شخصية الكابتن رايس من دبلوماسية فطرية استمرت معه حتى اللحظة. ولا أعرف أي قبطان حاز ألفة وقبولا أكثر منه بين النساء، كما أنه من أفضل البحارة الذين عبروا المحيط.
يوما تلو الآخر، كانت السفينة الرائعة تشق طريقها نحو الشرق، وقد أجمع الركاب أنهم لم يكونوا على متن رحلة بحرية أفضل من هذه في مثل هذا الوقت من العام. كان الطقس دافئا على سطح السفينة حتى إن الكثير منهم قد جلسوا على الكراسي للاستمتاع بأشعة الشمس، وفي الأسفل كان الطقس معتدلا لدرجة أن المرء قد يخيل له أنه يبحر في المناطق الاستوائية. ورغم ذلك كانوا قد غادروا نيويورك في عاصفة ثلجية وكانت درجة الحرارة تحت الصفر بعدة درجات.
قال سبينر الشاب الخبير بكل شيء: «هذا هو تأثير تيار الخليج الدافئ.»
ومع ذلك، عندما نزل الكابتن رايس لتناول الغداء في اليوم الرابع كان وجهه شاحبا ونظرته تنم عن القلق.
قالت السيدة زوجة مساعد المدعي العام: «تبدو كأنك لم تغف ليلة أمس أيها الكابتن.»
صفحة غير معروفة