أفلا تعقلون ،
أفلا تتفكرون ،
صم بكم عمي فهم لا يعقلون .
كما اعتمد الفلاسفة على العقل. فالإنسان حيوان ناطق كما هو الحال عند اليونان. وهناك عقول متعددة. الله هو العقل الأول، عقل وعاقل ومعقول. والأفلاك عقول، والعلم فيض من العقل الفعال إلى العقل بالملكة والعقل المستفاد والعقل بالقوة كي يصبح عقلا بالفعل. وفي رواية رمزية «حي بن يقظان» الطفل الذي نشأ في جزيرة ولم يسمع وحيا أو بلغته رسالة أو نبوة استطاع بعقله الطبيعي أن يصل إلى كل ما أنزل إلى الأنبياء: الله موجود، والعالم مخلوق والنفس خالدة، تثاب وتعاقب لأفعالها وقانون الاستحقاق
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . فالعقل والوحي طريقان للمعرفة، الأول طريق الفيلسوف، والثاني وحي النبي. وحد الكندي بين الفلسفة والدين. وجعل الفارابي رئيس المدينة الفاضلة الفيلسوف أو النبي. والشريعة عند إخوان الصفا تقوم على العقل. والحكمة عند ابن رشد النظر بما تقتضيه صناعة البرهان، وهو واجب بالشرع.
ودليل العقل عند الأصوليين أو القياس أو الاجتهاد هو أصل من أصول التشريع. بل إن التصوف الذي عرف عنه أنه مع الذوق والكشف والمعاينة يقوم التصوف النظري على العقل بحيث أصبح حكمة إلهية كما هو الحال عند ابن عربي وابن سبعين. وأقام السهروردي منطقا إشراقيا ذوقيا في مقابل المنطق الصوري اليوناني وحاول ابن سينا إقامة منطق للمشرقيين في مقابل المنطق الأرسطي.
والعلوم النقلية بالرغم من اعتمادها على النقل تقوم أيضا على بعض الجوانب العقلية. والأدلة النقلية حتى لو تضافرت لإثبات شيء أنه صحيح ما أثبتته، ولظل ظنيا، ولا يتحول إلى يقين إلا بحجة عقلية ولو واحدة كما عبر عن ذلك الإيجي في «المواقف»، وهو أشعري يمثل عقائد أهل السنة ونظريتهم في المعرفة، فالاتفاق مع العقل أحد شروط الخبر المتواتر، والتفسير العقلاني مثل تفسير الزمخشري أحد التيارات الرئيسية في علم التفسير. والسيرة المعاصرة عند طه حسين والعقاد ومحمد حسين هيكل تقوم على العقل بعيدا عن الأساطير القديمة المنتشرة عند أهل الكتاب في سير الأنبياء. وفي الفقه البلوغ هو العقل، والعقل مناط التكليف.
والعلوم الرياضية تقوم على العقل مثل الحساب والهندسة والجبر والموسيقى والفلك. وقد أبدع فيها المسلمون بالرغم من أن النقل هو مركز الحضارة الإسلامية ومنشؤها الأول. وما زال الإبداع الرياضي القديم أحد الروافد الأساسية في العلوم الرياضية المعاصرة.
وقامت الحركات الإصلاحية المعاصرة على العقل كما فعل محمد عبده في «رسالة التوحيد». فهو أشعري في التوحيد، معتزلي في العدل. بل إن العقل أصبح دعامة النهضة العربية الحديثة عند الطهطاوي.
ومن ثم فإن الإسلام المستنير له رصيده عند القدماء والمحدثين، وهو استئناف للجوانب العقلانية في تراثنا القديم والتراث الغربي الحديث في مرحلة جديدة من مراحل تطور الحضارة الإسلامية. (3) الإسلام العلمي
صفحة غير معروفة