في مصر اليوم رجة اجتماعية ستعود على الأدب بأجزل النفع، وأنتم تعلمون أن الأدب يستفيد من الخير والشر على السواء، ومن شواهد ذلك الأدب النسوي: فقد ابتدأ برسائل «باحثة البادية» ملك حنفي ناصف، وكانت أبحاثها مقصورة على الجوانب الاجتماعية، ثم جاءت الآنسة مي فأمدت الأدب النسوي بأرواح معطرة، ولكن نشأ في الأعوام الأخيرة حادث أدبي يستحق التنويه، ذلك هو أدب الآنسة جميلة العلايلي، فقد أخرجت ديوانا شعريا يتوقد بأنفاس الحنين، وهي أول مرة نسمع فيها أن فتاة عربية تنظم ديوانا تغلب عليه الوجدانيات، ولهذه الآنسة قصص طريفة تمثل بها عواطف النساء العاشقات أصدق تمثيل، وذلك لون من الأدب الجديد.
أقول هذا وأنا أعرف أن فيكم من ينكر أن تفصح الفتاة عن عواطفها الوجدانية، ولكني أقف موقف المؤرخ، ولا حرج على من يحاول الأمانة في سرد التاريخ.
وعندنا اليوم فتاة اسمها سهير القلماوي، وهي أقل جرأة من جميلة العلايلي ولكن يغلب على ظني أنها ستكسر قيود الرزانة بعد قليل، إلا أن تحرص على وظيفتها بكلية الآداب فتتكلف الوقار، وفي كلية الآداب اليوم حركة لانتخاب «أميرة الشواعر» وأخشى أن نستغني بها عن «أمير الشعراء»!!
وبهذه المناسبة أذكر أن المصريين كانوا فكروا في انتخاب أمير للشعر بعد شوقي، ورأي جماعة أن يكون ذلك اللقب من حظ الأستاذ عباس العقاد وثار جماعة آخرون منهم الأستاذ محمد الهراوي والأستاذ محمد الأسمر فقد أهدوا اللقب إلى «البرنس» وهو نساخ في دار الكتب المصرية له منظومات في التهاني بالأفراح والليالي الملاح!! وقد قتل ذلك الجد بهذا المزاح.
أيها السادة
لا تعجبوا من حرصي على تدوين الجانب النسائي في الحياة الأدبية، فأنا واثق بأن الرجة الاجتماعية التي يمثلها اختلاط الجنسين في الجامعة المصرية سيؤدي إلى نتائج منها المقبول والمرذول، ولا مفر من الاعتراف بأن وجود نحو ثلثمائة فتاة بين شبان الجامعة المصرية سيحدث أزمات نفسية وخلقية، ومن تلك الأزمات المخوفة يأخذ الأدب وقوده الذي ظل ينتظره منذ أجيال.
ولكي تعرفوا كيف أسرع التطور في بلادنا أذكر لكم أني كنت طالبا في الجامعة المصرية منذ عشرين عاما، ولم يكن يزاملني من الجنس اللطيف في ذلك العهد غير فتاة واحدة هي الآنسة مي، وحين يلتحق ابني بالجامعة في العام المقبل سيجد بجانبه ثلثمائة فتاة، فإن صح أن مزاملة فتاة واحدة أثرت في أدبي، فكيف يكون حال ابني؟ وقاه الله ونجاه!!
أيها السادة
قد يكون من الخير أن نقرر أن الأدباء المصريين بدأوا ينقسمون إلى طوائف ففي الشعراء من يريد قصر شعره على مسامرة الأطفال كالأستاذ محمد الهراوي، وفيهم من يقف أشعاره على الأغاني كالأستاذ أحمد رامي الذي ملأ المشرقين بالحنين على لسان أم كلثوم، وفي الكتاب من لا يعبر عن أغراضه بغير القصص وفيهم من يكاد يقصر أدبه على السخرية من المجتمع كالأستاذ إبراهيم المازني، وفيهم من وقف أدبه على الفكاهة كالأستاذ حسن شفيق المصري، وعندنا أدباء لا يعرفون إلا إذا علوا منابر البرلمان.
وقد بدأت الأساليب تتنافر وتختلف، فأسلوب فكري أباظة ومحمد التابعي غير أسلوب عبد العزيز البشري وأحمد الزيات.
صفحة غير معروفة